قَالَ مَسْرُورٌ الْكَبِيرُ: سَأَلَنِي الْمُعْتَصِمُ أَيْنَ كَانَ الرَّشِيدُ يَتَنَزَّهُ إِذَا ضَجِرَ بِبَغْدَاذَ قُلْتُ: بِالْقَاطُولِ، وَكَانَ قَدْ بَنَى هُنَاكَ مَدِينَةً آثَارُهَا وَسُورُهَا قَائِمٌ، وَكَانَ قَدْ خَافَ مِنَ الْجُنْدِ مَا خَافَ الْمُعْتَصِمُ، فَلَمَّا وَثَبَ أَهْلُ الشَّامِ بِالشَّامِ وَعَصَوْا خَرَجَ إِلَى الرِّقَّةِ فَأَقَامَ بِهَا، وَبَقِيَتْ مَدِينَةُ الْقَاطُولِ لَمْ تُسْتَمَّ.
وَلَمَّا خَرَجَ الْمُعْتَصِمُ إِلَى الْقَاطُولِ اسْتَخْلَفَ بِبَغْدَاذَ ابْنَهُ الْوَاثِقَ.
وَكَانَ الْمُعْتَصِمُ قَدِ اصْطَنَعَ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَوْفِ بِمِصْرَ، وَاسْتَخْدَمَهُمْ، وَسَمَّاهُمُ الْمَغَارِبَةَ، وَجَمَعَ خَلْقًا مِنْ سَمَرْقَنْدَ، وَأُشْرُوسَنَّةَ، وَفَرْغَانَةَ، وَسَمَّاهُمُ الْفَرَاغِنَةَ، فَكَانُوا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَبَقُوا بَعْدَهُ.
وَكَانَ ابْتِدَاءُ الْعِمَارَةِ بِسَامَرَّا سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ.
ذِكْرُ قَبْضِ الْفَضْلِ بْنِ مَرْوَانَ
وَكَانَ الْفَضْلُ بْنُ مَرْوَانَ مِنَ الْبَرَدَانِ، وَكَانَ حَسِنَ الْخَطِّ، فَاتَّصَلَ بِيَحْيَى الْجُرْمُقَانِيِّ كَاتِبِ الْمُعْتَصِمِ، قَبْلَ خِلَافَتِهِ، فَكَانَ يَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا هَلَكَ الْجُرْمُقَانِيُّ صَارَ مَوْضِعَهُ، وَسَارَ مَعَ الْمُعْتَصِمِ إِلَى الشَّامِ، وَمِصْرَ، فَأَخَذَ مِنَ الْأَمْوَالِ الْكَثِيرَ، فَلَمَّا صَارَ الْمُعْتَصِمُ خَلِيفَةً كَانَ اسْمُهَا لَهُ، وَكَانَ مَعْنَاهَا لِلْفَضْلِ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الدَّوَاوِينِ كُلِّهَا، وَكَنْزِ الْأَمْوَالِ.
وَكَانَ الْمُعْتَصِمُ يَأْمُرُهُ بِإِعْطَاءِ الْمُغَنِّي وَالنَّدِيمِ، فَلَا يُنَفِّذُ الْفَضْلُ ذَلِكَ، فَثَقُلَ عَلَى الْمُعْتَصِمِ، وَكَانَ لَهُ مُضْحِكٌ اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ، يُعْرَفُ بِالْهَفْتِيِّ، فَأَمَرَ لَهُ الْمُعْتَصِمُ بِمَالٍ، وَتَقَدَّمَ إِلَى الْفَضْلِ بِإِعْطَائِهِ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، فَبَيْنَا الْهَفْتِيُّ يَوْمًا عِنْدَ الْمُعْتَصِمِ، يَمْشِي مَعَهُ فِي بُسْتَانٍ لَهُ، وَكَانَ الْهَفْتِيُّ يَصْحَبُهُ قَبْلَ الْخِلَافَةِ، وَيَقُولُ لَهُ فِيمَا يُدَاعِبُهُ: وَاللَّهِ لَا تُفْلِحُ أَبَدًا، وَكَانَ مَرْبُوعًا بَدِينًا، وَكَانَ الْمُعْتَصِمُ خَفِيفَ اللَّحْمِ؛ فَكَانَ يَسْبِقُهُ، وَيَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: مَا لَكَ لَا تُسْرِعُ الْمَشْيَ؟ فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ الْهَفْتِيُّ مُدَاعِبًا لَهُ: كُنْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute