للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَرَجَعَ عَنْهُ الْأَفْشِينُ إِلَى بَرْزَنْدَ.

وَأَقَامَ بَابَكَ بِمُوقَانَ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْبَذِّ، فَجَاءَهُ عَسْكَرٌ، فَرَحَلَ بِهِمْ مِنْ مُوقَانَ، حَتَّى دَخَلَ الْبَذَّ، وَلَمْ يَزَلِ الْأَفْشِينُ مُعَسْكِرًا بِبَرْزَنْدَ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ مَرَّتْ قَافِلَةٌ، فَخَرَجَ عَلَيْهَا أَصْبَهْبَذَ بَابَكَ، فَأَخَذَهَا وَقَتَلَ مَنْ فِيهَا، فَقَحَطَ عَسْكَرُ الْأَفْشِينِ لِذَلِكَ، فَكَتَبَ الْأَفْشِينُ إِلَى صَاحِبِ مَرَاغَةَ بِحَمْلِ الْمِيرَةِ وَتَعْجِيلِهَا، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ قَافِلَةً عَظِيمَةً، فِيهَا قَرِيبٌ مِنْ أَلْفِ ثَوْرٍ، سِوَى غَيْرِهَا مِنَ الدَّوَابِّ، تَحْمِلُ الْمِيرَةَ، وَمَعَهَا جُنْدٌ يَسِيرُونَ بِهَا، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ سَرِيَّةٌ لِبَابَكَ، فَأَخَذُوهَا عَنْ آخِرِهَا، وَأَصَابَ الْعَسْكَرَ ضِيقٌ شَدِيدٌ، فَكَتَبَ الْأَفْشِينُ إِلَى صَاحِبِ شِيرَوَانَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَحْمِلَ إِلَيْهِ طَعَامًا، فَحَمَلَ إِلَيْهِ طَعَامًا كَثِيرًا، وَأَغَاثَ النَّاسَ. وَقَدِمَ بُغَا عَلَى الْأَفْشِينِ بِمَا مَعَهُ.

ذِكْرُ بِنَاءِ سَامَرَّا

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ الْمُعْتَصِمُ إِلَى سَامَرَّا لِبِنَائِهَا، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي أَتَخَوَّفُ هَؤُلَاءِ الْحَرْبِيَّةَ أَنْ يَصِيحُوا صَيْحَةً فَيَقْتُلُوا غِلْمَانِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَكُونَ فَوْقَهُمْ، فَإِنْ رَابَنِي مِنْهُمْ شَيْءٌ أَتَيْتُهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْمَاءِ، حَتَّى آتِيَ عَلَيْهِمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا، فَأَعْجَبَهُ مَكَانُهَا.

وَقِيلَ كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَصِمَ كَانَ قَدْ أَكْثَرَ مِنِ الْغِلْمَانِ الْأَتْرَاكِ، فَكَانُوا لَا يَزَالُونَ يَرَوْنَ الْوَاحِدَ بَعْدَ الْوَاحِدِ قَتِيلًا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا جُفَاةً، يَرْكَبُونَ الدَّوَابَّ، فَيُرْكِضُونَهَا إِلَى الشَّوَارِعِ، فَيَصْدِمُونَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ، فَيَأْخُذُهُمُ الْأَبْنَاءُ عَنْ دَوَابِّهِمْ، وَيَضْرِبُونَهُمْ، وَرُبَّمَا هَلَكَ أَحَدُهُمْ فَتَأَذَّى بِهِمُ النَّاسُ.

ثُمَّ إِنَّ الْمُعْتَصِمَ رَكِبَ يَوْمَ عِيدٍ، فَقَامَ إِلَيْهِ شَيْخٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! فَأَرَادَ الْجُنْدُ ضَرْبَهُ، فَمَنَعَهُمْ، وَقَالَ: يَا شَيْخُ (مَا لَكَ، مَا لَكَ؟) قَالَ: لَا جَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْجِوَارِ خَيْرًا، جَاوَرْتَنَا وَجِئْتَ بِهَؤُلَاءِ الْعُلُوجِ مِنْ غِلْمَانِكَ الْأَتْرَاكِ، فَأَسْكَنْتَهُمْ بَيْنَنَا، فَأَيْتَمْتَ صِبْيَانَنَا، وَأَرْمَلْتَ بِهِمْ نِسْوَانَنَا، وَقَتَلْتَ رِجَالَنَا، وَالْمُعْتَصِمُ يَسْمَعُ ذَلِكَ، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، وَلَمْ يَرَ رَاكِبًا إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَخَرَجَ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْعِيدَ، وَلَمْ يَدْخُلْ بَغْدَادَ، بَلْ سَارَ إِلَى نَاحِيَةِ الْقَاطُولِ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى بَغْدَادَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>