للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَضْرِبْ طَبْلًا، وَلَمْ يَنْشُرْ عَلَمًا، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالسُّكُوتِ وَجَدَّ فِي السَّيْرِ، وَرَحَلَتِ الْقَافِلَةُ الَّتِي كَانَتْ تَوَجَّهَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنَ النَّهْرِ إِلَى نَاحِيَةِ الْهَيْثَمِ، وَتَعَبَّأَ بَابَكُ فِي أَصْحَابِهِ، وَسَارَ عَلَى طَرِيقِ النَّهْرِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْمَالَ يُصَادِفُهُ، فَخَرَجَتْ خَيْلُ بَابَكَ عَلَى الْقَافِلَةِ، وَمَعَهَا صَاحِبُ النَّهْرِ، فَقَاتَلَهُمْ صَاحِبُ النَّهْرِ، فَقَتَلُوهُ، وَقَتَلُوا مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْجُنْدِ، وَأَخَذُوا جَمِيعَ مَا كَانَ مَعَهُمْ، وَعَلِمُوا أَنَّ الْمَالَ قَدْ فَاتَهُمْ، وَأَخَذُوا عَلَمَهُ وَلِبَاسَ أَصْحَابِهِ، فَلَبِسُوهَا وَتَنَكَّرُوا لِيَأْخُذُوا الْهَيْثَمَ الْغَنَوِيَّ وَمَنْ مَعَهُ أَيْضًا، وَلَا يَعْلَمُونَ بِخُرُوجِ الْأَفْشِينِ، وَجَاؤُوا كَأَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّهْرِ، فَلَمْ يَعْرِفُوا الْمَوْضِعَ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ عَلَمُ صَاحِبِ النَّهْرِ، فَوَقَفُوا فِي غَيْرِهِ.

وَجَاءَ الْهَيْثَمُ فَوَقَفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَنْكَرَ مَا رَأَى، فَوَجَّهَ ابْنَ عَمٍّ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ إِلَى هَذَا الْبَغِيضِ، فَقُلْ لَهُ: لِأَيِّ شَيْءٍ وُقُوفُكَ، فَجَاءَ إِلَيْهِمْ، فَأَنْكَرَهُمْ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْفَذَ جَمَاعَةً غَيْرَهُ، فَأَنْكَرُوهُمْ أَيْضًا، وَأَخْبَرُوهُ أَنَّ بَابَكَ قَدْ قَتَلَ عُلُّوَيْهِ صَاحِبَ النَّهْرِ، وَأَصْحَابَهُ، وَأَخَذَ أَعْلَامَهُمْ وَلِبَاسَهُمْ، فَرَحَلَ الْهَيْثَمُ رَاجِعًا، وَنَجَّى الْقَافِلَةَ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ، وَبَقِيَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي أَعْقَابِهِمْ حَامِيَةً لَهُمْ حَتَّى وَصَلَتِ الْقَافِلَةُ إِلَى الْحِصْنِ، وَهُوَ أَرْشَقُ، وَسَيَّرَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْأَفْشِينِ وَإِلَى أَبِي سَعِيدٍ يُعَرِّفُهُمَا الْخَبَرَ، فَخَرَجَا يَرْكُضَانِ، وَدَخَلَ الْهَيْثَمُ الْحِصْنَ، (وَنَزَلَ بَابَكَ عَلَيْهِ، وَوَضَعَ لَهُ كُرْسِيًّا بِحِيَالِ الْحِصْنِ) ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْهَيْثَمِ أَنْ خَلِّ الْحِصْنَ وَانْصَرِفْ، فَأَبَى الْهَيْثَمُ ذَلِكَ، فَحَارَبَهُ بَابَكُ وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ عَلَى عَادَتِهِ وَالْحَرْبُ مُشْتَبِكَةٌ.

وَسَارَ الْفَارِسَانِ، فَلَقِيَا الْأَفْشِينَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ فَرْسَخٍ، فَقَالَ لِصَاحِبِ مُقَدِّمَتِهِ: أَرَى فَارِسَيْنِ يَرْكُضَانِ رَكْضًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: اضْرِبُوا الطَّبْلَ، وَانْشُرُوا الْأَعْلَامَ، وَارْكُضُوا نَحْوَهُمَا، وَصِيحُوا: لَبَّيْكُمَا لَبَّيْكُمَا! فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَأَجْرَى النَّاسُ خَيْلَهُمْ طَلْقًا وَاحِدًا، حَتَّى لَحِقُوا بَابَكَ وَهُوَ جَالِسٌ، فَلَمْ يُطِقْ أَنْ يَرْكَبَ، حَتَّى وَافَتْهُ الْخَيْلُ، فَاشْتَبَكَتِ الْحَرْبُ، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْ رَجَّالَةِ بَابَكَ أَحَدٌ، وَأَفْلَتَ هُوَ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ مِنْ خَيَّالَتِهِ، وَدَخَلَ مُوقَانَ وَقَدْ تَقَطَّعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>