عُلُّوَيْهِ الْأَعْوَرَ، مِنْ قُوَّادِ الْأَبْنَاءِ، فِي حِصْنِ النَّهْرِ مِمَّا يَلِي أَرْدَبِيلَ، فَكَانَتِ السَّابِلَةُ وَالْقَوَافِلُ تَخْرُجُ مِنْ أَرْدَبِيلَ وَمَعَهَا مَنْ يَحْمِيهَا، حَتَّى تَنْزِلَ بِحِصْنِ النَّهْرِ، ثُمَّ يُسَيِّرُهَا صَاحِبُ حِصْنِ النَّهْرِ إِلَى الْهَيْثَمِ الْغَنَوِيِّ، فَيَلْقَاهُ الْهَيْثَمُ بِمَنْ جَاءَ إِلَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ فِي مَوْضِعٍ مَعْرُوفٍ لَا يَتَعَدَّاهُ أَحَدُهُمْ إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ، فَإِذَا لَقِيَهُ أَخَذَ مَا (مَعَهُ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ مَا مَعَهُ، ثُمَّ يَسِيرُ الْهَيْثَمُ بِمَنْ مَعَهُ إِلَى أَصْحَابِ أَبِي سَعِيدٍ، فَيَلْقَوْنَهُ بِمُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ، وَمَعَهُمْ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْعَسْكَرِ، فَيَتَسَلَّمُونَ مَا مَعَ الْهَيْثَمِ وَيُسَلِّمُونَ إِلَيْهِ مَا مَعَهُمْ، وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمْ إِلَى الْمُنْتَصَفِ لَا يَتَعَدَّاهُ، وَيَسِيرُ أَبُو سَعِيدٍ بِمَنْ مَعَهُ إِلَى عَسْكَرِ الْأَفْشِينِ (فَيَلْقَاهُ صَاحِبُ سَيَّارَةِ الْأَفْشِينِ، فَيَتَسَلَّمُهُمْ مِنْهُ، وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِ مَنْ صَحِبَهُ مِنَ الْعَسْكَرِ، فَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا.
وَكَانُوا إِذَا ظَفِرُوا بِأَحَدٍ مِنَ الْجَوَاسِيسِ حَمَلُوهُ إِلَى الْأَفْشِينِ، فَكَانَ يُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، وَيَهَبُ لَهُمْ، وَيَسْأَلُهُمْ عَنِ الَّذِي يُعْطِيهِمْ بَابَكُ، فَيُضَعِّفُهُ لَهُمْ، وَيَقُولُ لَهُمْ: كُونُوا جَوَاسِيسَ لَنَا، فَكَانَ يَنْتَفِعُ بِهِمْ.
ذِكْرُ وَقْعَةِ الْأَفْشِينِ مَعَ بَابَكَ
وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ الْأَفْشِينِ مَعَ بَابَكَ، قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ بَابَكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ.
وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ الْمُعْتَصِمَ وَجَّهَ بُغَا الْكَبِيرَ إِلَى الْأَفْشِينِ، وَمَعَهُ مَالٌ لِلْجُنْدِ، وَالنَّفَقَاتِ، فَوَصَلَ أَرْدَبِيلَ، فَبَلَغَ بَابَكَ الْخَبَرُ، فَتَهَيَّأَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لِيَقْطَعُوا عَلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى الْأَفْشِينِ، فَجَاءَ جَاسُوسٌ إِلَى الْأَفْشِينِ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا صَحَّ الْخَبَرُ عِنْدَ الْأَفْشِينِ كَتَبَ إِلَى بُغَا أَنْ يُظْهِرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الرَّحِيلَ، وَيَحْمِلَ الْمَالَ عَلَى الْإِبِلِ، وَيَسِيرَ نَحْوَهُ، حَتَّى يَبْلُغَ حِصْنَ النَّهْرِ، فَيَحْبِسَ الَّذِي مَعَهُ، حَتَّى يَجُوزَ مَنْ صَحِبَهُ مِنَ الْقَافِلَةِ، فَإِذَا جَازُوا رَجَعَ بِالْمَالِ إِلَى أَرْدَبِيلَ.
فَفَعَلَ بُغَا ذَلِكَ، وَسَارَتِ الْقَافِلَةُ، وَجَاءَتْ جَوَاسِيسُ بَابَكَ إِلَيْهِ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْمَالَ قَدْ سَارَ فَبَلَغَ النَّهْرَ، وَرَكِبَ الْأَفْشِينُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَاعَدَ فِيهِ بُغَا، عِنْدَ الْعَصْرِ، مِنْ بَرْزَنْدَ فَوَافَى خُشَّ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَنَزَلَ خَارِجَ خَنْدَقِ أَبِي سَعِيدٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَكِبَ سِرًّا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute