لِشِدَّةِ الْبَرْدِ وَالرِّيحِ، فَانْصَرَفَ إِلَى عَسْكَرِهِ، فَعَسْكَرَ عَلَى دَعْوَةٍ، وَهَاجَتْ رِيحٌ بَارِدَةٌ وَمَطَرٌ شَدِيدٌ، فَرَجَعَ بُغَا إِلَى عَسْكَرِهِ، وَوَاقَعَهُمُ الْأَفْشِينُ مِنَ الْغَدِ، بَعْدَ رُجُوعِ بُغَا، فَهَزَمَ أَصْحَابَ بَابَكَ، وَأَخَذَ عَسْكَرَهُ وَخَيْمَتَهُ وَامْرَأَةً كَانَتْ مَعَهُ، وَنَزَلَ الْأَفْشِينُ فِي مُعَسْكَرِ (بَابَكَ. ثُمَّ تَجَهَّزَ بُغَا مِنَ الْغَدِ، وَصَعِدَ إِلَى هَشْتَادْسِرَ، فَأَصَابَ الْعَسْكَرَ) [الَّذِي] كَانَ بِإِزَائِهِ قَدِ انْصَرَفَ إِلَى بَابَكَ، فَأَصَابَ مِنْ أَثَاثِهِمْ وَرَحْلِهِمْ شَيْئًا، وَانْحَدَرَ مِنْ هَشْتَادْسِرَ يُرِيدُ الْبَذَّ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ دَاوُدُ سِيَاهْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بُغَا: إِنَّ الْمَسَاءَ قَدْ أَدْرَكَنَا، وَقَدْ تَعِبَ الرَّجَّالَةُ، وَتَوَسَّطْنَا الْمَكَانَ الَّذِي قَدْ نَعْرِفُهُ، فَانْظُرْ جَبَلًا حَصِينًا حَتَّى نُعَسْكِرَ فِيهِ لَيْلَتَنَا هَذِهِ، فَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَلٍ أَشْرَفُوا مِنْهُ عَلَى عَسْكَرِ الْأَفْشِينِ، فَقَالُوا: نَبِيتُ هَا هُنَا إِلَى غُدْوَةٍ، وَنَنْحَدِرُ إِلَى الْكَافِرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَجَاءَهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ سَحَابٌ وَبَرْدٌ، وَثَلْجٌ كَثِيرٌ، فَأَصْبَحُوا وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ [أَنْ] يَنْزِلَ فَيَأْخُذَ مَاءً، وَلَا يَسْقِي دَابَّتَهُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الثَّلْجُ وَالضَّبَابُ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّاسُ لَبُغَا: قَدْ فَنِيَ مَا مَعَنَا مِنَ الزَّادِ، (وَقَدْ أَضَرَّ بِنَا الْبَرْدُ) ، فَانْزِلْ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ، إِمَّا رَاجِعِينَ، وَإِمَّا إِلَى الْكَافِرِ.
وَكَانَ بَابَكُ فِي أَيَّامِ الضَّبَابِ وَالثَّلْجِ قَدْ بَيَّتَ الْأَفْشِينَ وَبَعْضَ عَسْكَرِهِ، وَانْصَرَفَ الْأَفْشِينُ إِلَى عَسْكَرِهِ، فَضَرَبَ بُغَا الطَّبْلَ وَانْحَدَرَ يُرِيدُ الْبَذَّ، وَلَا يَعْلَمُ بِمَا تَمَّ لِلْأَفْشِينِ بَلْ يَظُنُّهُ فِي مَوْضِعِ عَسْكَرِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي رَأَى السَّمَاءَ مُنْجَلِيَةً، (وَالدُّنْيَا طَيِّبَةً، غَيْرَ رَأْسِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، فَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ) ، وَتَقَدَّمَ إِلَى الْبَذِّ، حَتَّى صَارَ بِحَيْثُ يَلْزَقُ جَبَلَ الْبَذِّ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُشْرِفَ عَلَى أَبْيَاتِ الْبَذِّ إِلَّا صُعُودُ نِصْفِ مِيلٍ.
وَكَانَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ غُلَامٌ لِابْنِ الْبُعَيْثِ، لَهُ قَرَابَةٌ بِالْبَذِّ، فَلَقِيَهُمْ طَلَائِعُ بَابَكَ، فَعَرَفَ بَعْضَهُمُ الْغُلَامُ، فَسَأَلَهُ (عَمٌّ لَهُ) عَمَّنْ مَعَهُ مَنْ أَهْلِهِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ وَقُلْ لِمَنْ تُعْنَى بِهِ يَنْتَحِي، فَإِنَّا قَدْ هَزَمْنَا الْأَفْشِينَ، وَمَضَى إِلَى خَنْدَقِهِ، وَتَهَيَّأْنَا لَكُمْ عَسْكَرَيْنِ، فَعَجِّلِ الِانْصِرَافَ لَعَلَّكَ تُفْلِتُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute