فَرَجَعَ الْغُلَامُ فَأَخْبَرَ ابْنَ الْبُعَيْثِ، فَأَخْبَرَ بُغَا بِذَلِكَ، فَشَاوَرَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا بَاطِلٌ، هَذِهِ خُدْعَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا رَأْسُ جَبَلٍ يَنْظُرُ إِلَى عَسْكَرِ الْأَفْشِينِ، فَصَعِدَ بُغَا، وَمَعَهُ نَفَرٌ، إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ، فَلَمْ يَرَوْا عَسْكَرَ الْأَفْشِينِ، فَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَضَى، وَتَشَاوَرُوا، فَرَأَوْا أَنْ يَنْصَرِفَ النَّاسُ قَبْلَ أَنْ يَجِيئَهُمُ اللَّيْلُ، فَانْصَرَفُوا، وَجَدُّوا فِي السَّيْرِ، وَلَمْ يَقْصِدِ الطَّرِيقَ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ لِكَثْرَةِ مَضَايِقِهِ، بَلْ أَخَذَ طَرِيقًا يَدُورُ حَوْلَ هَشْتَادْسِرَ لَيْسَ فِيهِ غَيْرَ مَضِيقٍ وَاحِدٍ، فَطَرَحَ الرَّجَّالَةُ سِلَاحَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَخَافُوا، وَصَارَ بُغَا وَجَمَاعَةُ الْقُوَّادِ فِي السَّاقَةِ، وَطَلَائِعُ بَابَكَ تَتْبَعُهُمْ، وَهُمْ قَدْرَ عَشَرَةِ فُرْسَانٍ، فَشَاوَرَ بُغَا أَصْحَابَهُ، وَقَالَ: لَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ مَشْغَلَةً لَنَا عَنِ الْمَسِيرِ، وَتَقَدَّمَ أَصْحَابُهُمْ لِيَأْخُذُوا الْمَضِيقَ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَهُ الْفَضْلُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ اللَّيْلِ، فَأَسْرِعِ السَّيْرَ، وَلَا تَنْزِلْ حَتَّى تُجَاوِزَ الْمَضِيقَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّ الْعَسْكَرَ قَدْ تَقَطَّعَ وَقَدْ رَمَوْا سِلَاحَهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ الْمَالُ وَالسِّلَاحُ عَلَى الْبِغَالِ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يُؤْخَذَ، وَيُؤْخَذَ الْأَسِيرُ الَّذِي مَعَهُمْ.
وَكَانَ ابْنُ جُوَيْدَانَ مَعَهُمْ أَسِيرًا يُرِيدُونَ أَنْ يُفَادُوا بِهِ، فَعَسْكَرَ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ حَصِينٍ، وَنَزَلَ النَّاسُ وَقَدْ كَلُّوا وَتَعِبُوا، وَفَنِيَتْ أَزْوَادُهُمْ، فَبَاتُوا يَتَحَارَسُونَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمِصْعَدِ، فَأَتَاهُمْ بَابَكُ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، فَكَبَسُوا بُغَا وَالْعَسْكَرَ، وَخَرَجَ بُغَا رَاجِلًا، فَرَأَى دَابَّةً فَرَكِبَهَا، وَجُرِحَ الْفَضْلُ بْنُ كَاوِسَ، وَقُتِلَ جَنَاحٌ السُّكَّرِيُّ وَابْنُ جَوْشَنٍ، وَأُخِذَ [أَحَدُ] الْأَخَوَيْنِ قَرَابَةُ الْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ، وَنَجَا بُغَا وَالنَّاسُ وَلَمْ تَتْبَعْهُمُ الْخُرَّمِيَّةُ، وَأَخَذُوا الْمَالَ وَالسِّلَاحَ وَالْأَسِيرَ، فَوَصَلَ النَّاسُ مُعَسْكَرَهُمْ مُنْقَطِعِينَ إِلَى خَنْدَقِهِمْ، فَأَقَامَ بُغَا بِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَكَتَبَ إِلَيْهِ الْأَفْشِينُ يَأْمُرُهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى مَرَاغَةَ، وَأَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ الْمَدَدَ، فَمَضَى بُغَا إِلَى مَرَاغَةَ، وَفَرَّقَ الْأَفْشِينُ النَّاسَ فِي مَشَاتِيهِمْ تِلْكَ السَّنَةَ، حَتَّى جَاءَ الرَّبِيعُ.
وَفِيهَا قُتِلَ طَرْخَانُ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ قُوَّادِ بَابَكَ، وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْ بَابَكَ إِذْنًا حَتَّى يُشَتِّيَ فِي قَرْيَتِهِ، وَهِيَ بِنَاحِيَةِ مَرَاغَةَ، وَكَانَ الْأَفْشِينُ يَرْصُدُهُ، فَلَمَّا عَلِمَ خَبَرَهُ أَرْسَلَ إِلَى تُرْكِ مَوْلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ بِمَرَاغَةَ، يَأْمُرُهُ أَنْ يَسْرِيَ إِلَيْهِ فِي قَرْيَتِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ، أَوْ يَأْخُذَهُ أَسِيرًا، فَفَعَلَ تُرْكُ ذَلِكَ وَأَسْرَى إِلَيْهِ وَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ رَأْسَهُ فَبَعَثَهُ إِلَى الْأَفْشِينِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute