للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمُ الْمَضِيقَ، فَلَمَّا رَأَى الْأَفْشِينُ تَحْرِيكَ الْعَلَمِ الَّذِي بِإِزَائِهِ سَيَّرَ جَمَاعَةً مِنَ الْجُنْدِ مَعَ مُظَفَّرِ بْنِ كَيْذَرٍ، فَأَسْرَعَ نَحْوَهُمْ، وَوَجَّهَ أَبَا سَعِيدٍ بَعْدَهُمْ وَبُخَارَاخَذَاهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ رَجَّالَةُ آذِينَ الَّذِينَ عَلَى الْمَضِيقِ تَرَكُوهُ، وَقَصَدُوا أَصْحَابَهُمْ، فَنَجَا ظُفَرُ بْنُ الْعَلَاءِ وَمَنْ مَعَهُ، وَمَعَهُمْ بَعْضُ عِيَالِ آذِينَ.

ذِكْرُ فَتْحِ الْبَذِّ وَأَسْرِ بَابَكَ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فُتِحَتِ الْبَذُّ، مَدِينَةُ بَابَكَ، وَدَخَلَهَا الْمُسْلِمُونَ وَخَرَّبُوهَا، وَاسْتَبَاحُوهَا، (وَذَلِكَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ) .

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَفْشِينَ لَمَّا عَزَمَ عَلَى الدُّنُوِّ مِنَ الْبَذِّ، وَالرَّحِيلِ مِنْ كَلَانَ رُوذَ، جَعَلَ يَتَقَدَّمُ قَلِيلًا قَلِيلًا خِلَافَ مَا تَقَدَّمَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُعْتَصِمُ يَأْمُرُهُ أَنْ يَجْعَلَ النَّاسَ نَوَائِبَ، يَقِفُونَ عَلَى ظُهُورِ الْخَيْلِ نِوَبًا فِي اللَّيْلِ، مَخَافَةَ الْبَيَاتِ، فَضَجَّ النَّاسُ مِنَ التَّعَبِ، وَقَالُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْعَدُوِّ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ، وَنَحْنُ نَفْعَلُ أَفْعَالًا كَأَنَّ الْعَدُوَّ بِإِزَائِنَا، قَدِ اسْتَحْيَيْنَا مِنَ النَّاسِ، أَقْدِمْ بِنَا، فَإِمَّا لَنَا وَإِمَّا عَلَيْنَا.

فَقَالَ: أَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَكُمْ حَقٌّ، وَلَكِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَنِي بِهَذَا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَهُ كِتَابُ الْمُعْتَصِمِ يَأْمُرُهُ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ أَيَّامًا، ثُمَّ انْحَدَرَ حَتَّى نَزَلَ رُوذَ الرُّوذِ، وَتَقَدَّمَ حَتَّى شَارَفَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَتْ بِهِ الْوَقْعَةُ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، فَوَجَدَ عَلَيْهِ كُرْدُوسًا مِنَ الْخُرَّمِيَّةِ، فَلَمْ يُحَارِبْهُمْ، وَلَمْ يَزَلْ إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُعَسْكَرِهِ فَمَكَثَ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ عَادَ فِي أَكْثَرِ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُمْ، وَلَمْ يُقَاتِلْهُمْ، وَأَقَامَ الْأَفْشِينُ بِرُوذِ الرُّوذِ، وَأَمَرَ الْكَوْهَبَانِيَّةَ، وَهُمْ أَصْحَابُ الْأَخْبَارِ، أَنْ يَنْظُرُوا لَهُ فِي رُؤُوسِ الْجِبَالِ مَوَاضِعَ يَتَحَصَّنُ فِيهَا الرَّجَّالَةُ.

فَاخْتَارُوا لَهُ ثَلَاثَةَ أَجْبُلٍ كَانَ عَلَيْهَا حُصُونٌ فَخُرِّبَتْ، فَأَخَذَ مَعَهُ الْفَعَلَةَ، وَسَارَ نَحْوَ هَذِهِ الْجِبَالِ، وَأَخَذَ مَعَهُ الْكَعْكَ وَالسَّوِيقَ، وَأَمَرَ الْفَعَلَةَ بِنَقْلِ الْحِجَارَةِ، وَسَدِّ الطَّرِيقِ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>