طَرِيقِكَ، يَعْنِي الْكَمِينَ الَّذِي عِنْدَ بُخَارَاخَذَاهُ. وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: لَوْ ثَارَ هَذَا الْكَمِينُ الَّذِي تَحْتَكَ كَيْفَ كُنْتَ تَرَى هَؤُلَاءِ الْمُتَطَوِّعَةَ؟ !
ثُمَّ رَجَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى عَادَتِهِمْ، فَلَمَّا رَأَى هَؤُلَاءِ الْكَمِينَ الَّذِي عِنْدَ بُخَارَاخَذَاهُ عَلِمُوا مَا كَانَ وَرَاءَهُمْ، فَإِنَّ بُخَارَاخَذَاهُ لَوْ تَحَرَّكَ نَحْوَ الْقِتَالِ، لَمَلَكُوا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، وَهَلَكَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ آخِرِهِمْ، فَأَقَامَ الْأَفْشِينُ بِخَنْدَقِهِ أَيَّامًا، فَشَكَا الْمُتَطَوِّعَةُ إِلَيْهِ ضِيقَ الْعَلُوفَةِ، وَالزَّادِ، وَالنَّفَقَةِ، فَقَالَ: مَنْ صَبَرَ فَلْيَصْبِرْ، وَمَنْ لَمْ [يَصْبِرْ] فَالطَّرِيقُ وَاسِعٌ فَلْيَنْصَرِفْ، وَفِي جُنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ كِفَايَةٌ، فَانْصَرَفَ الْمُتَطَوِّعَةُ يَقُولُونَ: لَوْ تَرَكَ الْأَفْشِينُ جَعْفَرًا وَتَرَكَنَا لَأَخَذْنَا الْبَذَّ، لَكِنَّهُ يَشْتَهِي الْمُطَاوَلَةَ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ وَمَا تَتَنَاوَلُهُ الْمُتَطَوِّعَةُ بِأَلْسِنَتِهِمْ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، قَالَ لِي: قُلْ لِلْأَفْشِينِ (إِنْ أَنْتَ حَارَبْتَ هَذَا وَجَدَّدْتَ فِي أَمْرِهِ، وَإِلَّا أَمَرْتُ الْجِبَالَ أَنْ تَرْجُمَكَ بِالْحِجَارَةِ، فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَبَلَغَ الْأَفْشِينَ) ، فَأَحْضَرَهُ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْمَنَامِ، فَقَصَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُ يَعْلَمُ نِيَّتِي وَمَا أُرِيدُ بِهَذَا الْخَلْقِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَوْ أَمَرَ الْجِبَالَ بِرَجْمِ أَحَدٍ لَرَجَمَ هَذَا الْكَافِرَ فَكَفَانَا مَؤُونَتَهُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُتَطَوِّعَةِ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ لَا تَحْرِمْنَا شَهَادَةً إِنْ كَانَتْ حَضَرَتْ، وَإِنَّمَا قَصَدْنَا ثَوَابَ اللَّهِ وَوَجْهَهُ، فَدَعْنَا وَحْدَنَا حَتَّى نَتَقَدَّمَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِكِ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَ عَلَيْنَا.
فَقَالَ الْأَفْشِينُ: إِنِّي أَرَى نِيَّاتِكُمْ حَاضِرَةً، وَأَحْسَبُ هَذَا الْأَمْرَ يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ خَيْرٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ نَشَطْتُمْ وَنَشَطَ النَّاسُ، وَمَا كَانَ هَذَا رَأْيِي وَقَدْ حَدَّثَ السَّاعَةَ لِمَا سَمِعْتُ مِنْ كَلَامِكُمْ، اعْزِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ أَيَّ يَوْمٍ أَرَدْتُمْ حَتَّى نُنَاهِضَهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
فَخَرَجُوا مُسْتَبْشِرِينَ، فَتَأَخَّرَ مَنْ أَرَادَ الِانْصِرَافَ، وَوَعَدَ الْأَفْشِينُ النَّاسَ لِيَوْمٍ ذَكَرَهُ لَهُمْ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالتَّجَهُّزِ وَحَمْلِ الْمَالِ وَالزَّادِ وَالْمَاءِ، وَجَعَلَ الْمَحَامِلَ عَلَى الْبِغَالِ تَحْمِلُ الْجَرْحَى، وَزَحَفَ بِالنَّاسِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَجَعَلَ بُخَارَاخَذَاهُ بِمَكَانِهِ عَلَى الْعَقَبَةِ، وَجَلَسَ الْأَفْشِينُ بِالْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ فِيهِ، وَقَالَ لِأَبِي دُلَفٍ: قُلْ لِلْمُتَطَوِّعَةِ أَيُّ نَاحِيَةٍ أَسْهَلُ عَلَيْكُمْ فَاقْتَصِرُوا عَلَيْهَا.
فَقَالَ لِجَعْفَرٍ: الْعَسْكَرُ كُلُّهُ بَيْنَ يَدَيْكَ وَالنَّشَّابَةُ وَالنَّفَّاطُونَ، فَإِنْ أَرَدْتَ فَخُذْ مِنْهُمْ مَا تُرِيدُ وَاعَزِمْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، وَتَقَدَّمْ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ تُرِيدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute