للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسَارَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ بِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَقَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ: قِفْ عِنْدِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: قِفْ أَنْتَ هَاهُنَا، لِمَكَانٍ عَيَّنَهُ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ جَعْفَرٌ رِجَالًا أَوْ فُرْسَانًا أَمْدَدْنَاهُ.

وَتَقَدَّمَ جَعْفَرٌ وَالْمُتَطَوِّعَةُ، فَقَاتَلُوا وَتَعَلَّقُوا بِسُورِ الْبَذِّ، وَضَرَبَ جَعْفَرٌ بَابَ الْبَذِّ وَوَقَفَ عِنْدَهُ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ، وَوَجَّهَ الْأَفْشِينُ إِلَيْهِ وَإِلَى الْمُتَطَوِّعَةِ بِالْأَمْوَالِ لِتُفَرَّقَ فِيهِمْ وَيُعْطَى مَنْ تَقَدَّمَ، وَأَمَدَّهُمْ بِالْفَعَلَةِ مَعَهُمُ الْفُؤُوسُ، وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بِالْمِيَاهِ لِئَلَّا يَعْطَشُوا وَبِالْكَعْكِ وَالسَّوِيقِ، فَاشْتَبَكَتِ الْحَرْبُ عَلَى الْبَابِ طَوِيلًا، فَفَتَحَتِ الْخُرَّمِيَّةُ الْبَابَ، وَخَرَجُوا عَلَى أَصْحَابِ جَعْفَرٍ، فَنَحُّوهُمْ عَنِ الْبَابِ، وَشَدُّوا عَلَى الْمُتَطَوِّعَةِ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، فَطَرَحُوهُمْ عَنِ السُّورِ، وَرَمَوْهُمْ بِالصَّخْرِ، وَأَثَّرُوا فِيهِمْ، وَضَعُفُوا عَنِ الْحَرْبِ، وَأَخَذَ جَعْفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ نَحْوَ مِائَةِ رَجُلٍ، فَوَقَفُوا خَلْفَ تُرُسِهِمْ مُتَحَاجِزِينَ لَا يُقْدِمُ أَحَدٌ عَلَى الْآخَرِ، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى صُلِّيَتِ الظُّهْرُ فَتَحَاجَزُوا.

وَبَعَثَ الْأَفْشِينُ الرَّجَّالَةَ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَهُ نَحْوَ الْمُتَطَوِّعَةِ، وَبَعَثَ إِلَى جَعْفَرٍ بَعْضَهُمْ، خَوْفًا أَنْ يَطْمَعَ الْعَدُوُّ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: لَسْتُ أُوتَى مِنْ قِلَّةٍ، وَلَكِنِّي لَا أَرَى لِلْحَرْبِ مَوْضِعًا يَتَقَدَّمُونَ فِيهِ، فَأَمَرَهُ بِالِانْصِرَافِ فَانْصَرَفَ.

وَحَمَلَ الْأَفْشِينُ الْجَرْحَى وَمَنْ بِهِ وَهَنٌ مِنَ الْحِجَارَةِ، فَحُمِلُوا فِي الْمَحَامِلِ عَلَى الْبِغَالِ وَانْصَرَفُوا عَنْهُمْ، وَأَيِسَ النَّاسُ مِنَ الْفَتْحِ تِلْكَ السَّنَةَ، وَانْصَرَفَ أَكْثَرُ الْمُطَّوِّعَةِ.

ثُمَّ إِنَّ الْأَفْشِينَ تَجَهَّزَ بَعْدَ جُمْعَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ جَوْفُ اللَّيْلِ بَعَثَ الرَّجَّالَةَ النَّاشِبَةَ، وَهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ، وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَكْوَةً وَكَعْكًا، وَأَعْطَاهُمْ أَعْلَامًا غَيْرَ مُرَكَّبَةٍ وَبَعَثَ مَعَهُمْ أَدِلَّاءَ، فَسَارُوا فِي جِبَالٍ مُنْكَرَةٍ صَعْبَةٍ فِي غَيْرِ طَرِيقٍ، حَتَّى صَارُوا خَلْفَ التَّلِّ الَّذِي يَقِفُ آذِينُ عَلَيْهِ، وَهُوَ جَبَلٌ شَاهِقٌ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهِمْ أَحَدٌ، حَتَّى إِذَا رَأَوْا أَعْلَامَ الْأَفْشِينِ وَصَلُوا الْغَدَاةَ وَرَأَوُا الْوَقْعَةَ رَكَّبُوا تِلْكَ الْأَعْلَامَ فِي الرِّمَاحِ وَضَرَبُوا الطُّبُولَ وَانْحَدَرُوا مِنْ فَوْقِ الْجَبَلِ، وَرَمَوْا بِالنِّشَابِ وَالصَّخْرِ عَلَى الْخُرَّمِيَّةِ، وَإِنْ هُمْ لَمْ يَرَوُا الْأَعْلَامَ لَمْ يَتَحَرَّكُوا حَتَّى يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَوَصَلُوا إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ عِنْدَ السَّحَرِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ وَجَّهَ الْأَفْشِينُ إِلَى الْجُنْدِ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّجَهُّزِ لِلْحَرْبِ.

فَلَمَّا كَانَ بَعْضُ اللَّيْلِ وَجَّهَ بَشِيرًا التُّرْكِيَّ وَقُوَّادًا مِنَ الْفَرَاغِنَةِ كَانُوا مَعَهُ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا حَتَّى يَصِيرُوا تَحْتَ التَّلِّ الَّذِي عَلَيْهِ آذِينُ، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ بَابَكَ يَكْمُنُ تَحْتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>