للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ الْجَبَلِ، فَسَارُوا لَيْلًا، وَلَا يَعْلَمُ بِهِمْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، ثُمَّ رَكِبَ هُوَ وَالْعَسْكَرُ مَعَ السَّحَرِ، فَصَلَّى الْغَدَاةَ، وَضَرَبَ الطَّبْلَ، وَرَكِبَ فَأَتَى الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ يَقِفُ فِيهِ، فَقَعَدَ عَلَى عَادَتِهِ، وَأَمَرَ بُخَارَاخَذَاهُ أَنْ يَقِفَ مَعَ جَعْفَرٍ الْخَيَّاطِ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَحْمَدَ بْنِ الْخَلِيلِ بْنِ هِشَامٍ، وَنَزَلَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ يَقِفُ فِيهِ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْرُبُوا مِنَ التَّلِّ الَّذِي عَلَيْهِ آذِينُ فَيُحْدِقُوا بِهِ، وَكَانَ قَبْلُ يَنْهَاهُمْ عَنْهُ.

وَمَضَى النَّاسُ مَعَ هَؤُلَاءِ الْقُوَّادِ الْأَرْبَعَةِ، (فَكَانَ جَعْفَرٌ مِمَّا يَلِي الْبَابَ، وَإِلَى جَانِبِهِ أَبُو سَعِيدٍ، وَإِلَى جَانِبِ أَبِي سَعِيدٍ بُخَارَاخَذَاهُ، وَكَانَ أَحْمَدُ مِمَّا يَلِي بُخَارَاخَذَاهُ، فَصَارُوا جَمِيعًا حَوْلَ التَّلِّ وَارْتَفَعَتِ الضَّجَّةُ) مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي، فَوَثَبَ كَمِينُ بَابَكَ بِبَشِيرٍ التُّرْكِيِّ وَالْفَرَاغِنَةِ، فَحَارَبُوهُمْ وَسَمِعَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ صَيْحَتَهُمْ، فَأَرَادُوا الْحَرَكَةَ، فَأَمَرَ الْأَفْشِينُ مُنَادِيًا يُنَادِي فِيهِمْ أَنَّ بَشِيرًا قَدْ أَثَارَ كَمِينًا، فَلَا يَتَحَرَّكَنَّ أَحَدٌ، فَسَكَنُوا، وَلَمَّا سَمِعَ الرِّجَالُ الَّذِينَ كَانَ سَيَّرَهُمْ حَتَّى صَارُوا فِي أَعْلَى الْجَبَلِ ضَجَّةَ الْعَسْكَرِ رَكَّبُوا الْأَعْلَامَ عَلَى الرِّمَاحِ، فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَى الْأَعْلَامِ تَنْحَدِرُ مِنَ الْجَبَلِ عَلَى خَيْلِ آذِينَ، فَوَجَّهَ آذِينُ إِلَيْهِمْ بَعْضَ أَصْحَابِهِ.

(وَحَمَلَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ) عَلَى آذِينَ وَأَصْحَابِهِ، حَتَّى صَعِدُوا إِلَيْهِ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِ حَمْلَةً مُنْكَرَةً، فَانْحَدَرَ إِلَى الْوَادِي، وَحَمَلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي سَعِيدٍ، فَإِذَا تَحْتَ دَوَابِّهِمْ آبَارٌ مَحْفُورَةٌ، فَتَسَاقَطَتِ الْفُرْسَانُ فِيهَا، فَوَجَّهَ الْأَفْشِينُ الْفَعَلَةَ يَطُمُّونَ تِلْكَ الْآبَارِ، فَفَعَلُوا، وَحَمَلَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ حَمْلَةً شَدِيدَةً.

وَكَانَ آذِينُ قَدْ جَعَلَ فَوْقَ الْجَبَلِ عَجَلًا عَلَيْهَا صَخْرٌ، فَلَمَّا حَمَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ دَفَعَ تِلْكَ الْعَجَلَ عَلَيْهِمْ، فَأَفْرَجَ النَّاسُ مِنْهَا حَتَّى تَدَحْرَجَتْ، ثُمَّ حَمَلَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَمَّا نَظَرَ بَابَكُ إِلَى أَصْحَابِهِ قَدْ أَحْدَقَ بِهِمْ خَرَجَ مِنْ طَرَفِ الْبَذِّ، مِمَّا يَلِي الْأَفْشِينَ، فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ، فَقِيلَ لِلْأَفْشِينِ: إِنَّ هَذَا بَابَكُ يُرِيدُكَ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ، حَتَّى سَمِعَ كَلَامَهُ، وَكَلَامَ أَصْحَابِهِ، وَالْحَرْبُ مُشْتَبِكَةٌ فِي نَاحِيَةِ آذِينَ، فَقَالَ: أُرِيدُ الْأَمَانَ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ الْأَفْشِينُ: قَدْ عَرَضْتُ هَذَا عَلَيْكَ، وَهُوَ لَكَ مَبْذُولٌ مَتَى شِئْتَ، فَقَالَ: قَدْ شِئْتُ الْآنَ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرَنِي حَتَّى أَحْمِلَ عِيَالِي وَأَتَجَهَّزَ، فَقَالَ لَهُ الْأَفْشِينُ: أَنَا أَنْصَحُكَ، خُرُوجُكَ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ غَدٍ، قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ هَذَا، قَالَ الْأَفْشِينُ: فَابْعَثْ بِالرَّهَائِنِ! فَقَالَ: نَعَمْ، أَمَّا فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَهُمْ عَلَى ذَلِكَ التَّلِّ، فَمُرْ أَصْحَابَكَ بِالتَّوَقُّفِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>