الْأَفْشِينِ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْأَفْشِينُ يَعِدُهُ وَيُمَنِّيهِ، وَوَجَّهَ إِلَيْهِ أَبَا سَعِيدٍ وبورمارهَ، وَأَمَرَهُمَا بِطَاعَتِهِ، وَأَمَرَهُمَا ابْنُ سُنْبَاطَ بِالْمَقَامِ فِي مَكَانٍ سَمَّاهُ، وَقَالَ: لَا تَبْرَحَا حَتَّى يَأْتِيَكُمَا رَسُولِي، فَيَكُونُ الْعَمَلُ بِمَا يَقُولُ لَكُمَا.
ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ لِبَابَكَ: قَدْ ضَجِرْتَ مِنْ هَذَا الْحِصْنِ، فَلَوْ نَزَلْتَ إِلَى الصَّيْدِ، فَفَعَلَ، فَلَمَّا نَزَلَ مِنِ الْحِصْنِ أَرْسَلَ ابْنُ سُنْبَاطَ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ وبورماره، فَأَمَرَهُمَا أَنْ يُوَافِيَاهُ: أَحَدُهُمَا مِنْ جَانِبِ وَادٍ هُنَاكَ، وَالثَّانِي مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَفَعَلَا، فَلَمْ يُحِبَّ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِمَا.
فَبَيْنَمَا بَابَكُ وَابْنُ سُنْبَاطَ يَتَصَيَّدَانِ إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمَا أَبُو سَعِيدٍ وبورمارهُ فِي أَصْحَابِهِمَا، وَعَلَى بَابَكَ دُرَّاعَةٌ بَيْضَاءُ، فَأَخَذَهُمَا، وَأَمَرُوا بَابَكَ بِالنُّزُولِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالَ: أَنَا أَبُو سَعِيدٍ، وَهَذَا فُلَانٌ، فَنَزَلَ ثُمَّ قَالَ لِابْنِ سُنْبَاطَ مِنَ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ، وَشَتَمَهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا بِعْتَنِي لِلْيَهُودِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، لَوْ أَرَدْتَ الْمَالَ لَأَعْطَيْتُكَ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِيكَ هَؤُلَاءِ، فَأَرْكَبَهُ أَبُو سَعِيدٍ، وَسَارُوا بِهِ إِلَى الْأَفْشِينِ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنَ الْعَسْكَرِ صَعِدَ الْأَفْشِينُ، وَجَلَسَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَصَفَّ عَسْكَرَهُ صَفَّيْنِ، وَأَمَرَ بِإِنْزَالِ بَابَكَ عَنْ دَابَّتِهِ، وَمَشَى بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَأَدْخَلَهُ الْأَفْشِينُ بَيْتًا، وَوَكَّلَ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ، وَسَيَّرَ مَعَهُ سَهْلَ بْنَ سُنْبَاطَ وَابْنَهُ مُعَاوِيَةَ، فَأَمَرَ لَهُ الْأَفْشِينُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَمَرَ لِسَهْلٍ بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمِنْطَقَةٍ مُغْرَقَةٍ بِالْجَوَاهِرِ وَتَاجِ الْبَطْرَقَةِ.
وَأَرْسَلَ الْأَفْشِينُ إِلَى عِيسَى بْنِ يُونُسَ بْنِ اصْطِفَانُوسَ يَطْلُبُ مِنْهُ عَبْدَ اللَّهِ أَخَا بَابَكَ فَأَنْفَذَهُ إِلَيْهِ، فَحَبَسَهُ مَعَ أَخِيهِ، وَكَتَبَ إِلَى الْمُعْتَصِمِ بِذَلِكَ، فَأَمَرَهُ بِالْقُدُومِ بِهِمَا عَلَيْهِ.
وَكَانَ وُصُولُ بَابَكَ إِلَى الْأَفْشِينِ بِبَرْزَنْدَ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالَ.
وَكَانَ الْأَفْشِينُ قَدْ أَخَذَ نِسَاءً كَثِيرَةً وَصِبْيَانًا كَثِيرًا، ذَكَرُوا أَنَّ بَابَكَ أَسَرَهُمْ، وَأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ مِنَ الْعَرَبِ وَالدَّهَّاقِينَ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَجُعِلُوا فِي حَظِيرَةٍ كَبِيرَةٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَكْتُبُوا إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ، فَكُلُّ مَنْ جَاءَ يَعْرِفُ امْرَأَةً، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ جَارِيَةً، وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَخَذَهُ، فَأَخَذَ النَّاسُ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَبَقِيَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute