للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُعَسْكِرًا أَتَاهُ الْخَبَرُ بِوُصُولِ الْأَفْشِينِ فِي عَسْكَرٍ ضَخْمٍ نَاحِيَةَ الْأَرْمِنْيَاقِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى عَسْكَرِهِ بَعْضَ أَقْرِبَائِهِ، وَسَارَ إِلَيْهِمْ، فَوَاقَعْنَاهُمْ صَلَاةَ الْغَدَاةِ، فَهَزَمْنَاهُمْ، وَقَتَلْنَا رَجَّالَتَهُمْ كُلَّهُمْ، وَتَقَطَّعَتْ عَسَاكِرُنَا فِي طَلَبِهِمْ، فَلَمَّا كَانَ الظُّهْرُ رَجَعَ فُرْسَانُهُمْ، فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى خَرَقُوا عَسْكَرَنَا، وَاخْتَلَطُوا بِنَا، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْمَلِكُ، وَانْهَزَمْنَا مِنْهُمْ، وَرَجَعْنَا إِلَى مُعَسْكَرِ الْمَلِكِ الَّذِي خَلْفَهُ، فَوَجَدْنَا الْعَسْكَرَ قَدِ انْتَقَضَ، وَانْصَرَفُوا عَنْ قَرَابَةِ الْمَلِكِ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ جَاءَ الْمَلِكُ فِي جَمَاعَةٍ يَسِيرَةٍ، فَرَأَى عَسْكَرَهُ قَدِ اخْتَلَّ، وَأَخَذَ الَّذِي كَانَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهِمْ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَكَتَبَ إِلَى الْمُدُنِ وَالْحُصُونِ أَنْ لَا يَأْخُذُوا أَحَدًا انْصَرَفَ مِنَ الْعَسْكَرِ إِلَّا ضَرَبُوهُ بِالسِّيَاطِ، وَرَدُّوهُ إِلَى مَكَانٍ سَمَّاهُ لَهُمُ الْمَلِكُ، لِيَجْتَمِعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَيَلْقَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ الْمَلِكَ وَجَّهَ خَصِيًّا لَهُ إِلَى أَنْقَرَةَ ; لِيَحْفَظَ أَهْلَهَا، فَرَآهُمْ قَدْ أُجْلُوا عَنْهَا، فَكَتَبَ إِلَى الْمَلِكِ بِذَلِكَ، فَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى عَمُّورِيَّةَ، فَرَجَعَ مَالِكُ بْنُ كَيْدَرَ بِمَا مَعَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْأَسْرَى إِلَى عَسْكَرِ أَشْنَاسَ، وَغَنِمُوا فِي طَرِيقِهِمْ، بَقَرًا، وَغَنَمًا كَثِيرًا، فَلَمَّا بَلَغَ مَالِكُ بْنُ كَيْدَرَ عَسْكَرَ أَشْنَاسَ أَخْبَرَهُ بِمَا سَمِعَ، فَأَعْلَمَ الْمُعْتَصِمَ بِذَلِكَ، فَسُرَّ بِهِ.

فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ جَاءَ الْبَشِيرُ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَفْشِينِ بِخَبَرِ السَّلَامَةِ، وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَدِمَ الْأَفْشِينُ عَلَى الْمُعْتَصِمِ وَهُوَ بِأَنْقَرَةَ، فَأَقَامُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

ثُمَّ جَعَلَ الْمُعْتَصِمُ الْعَسْكَرَ ثَلَاثَةَ عَسَاكِرَ: عَسْكَرٌ فِيهِ أَشْنَاسُ فِي الْمَيْسَرَةِ، وَالْمُعْتَصِمُ فِي الْقَلْبِ، وَعَسْكَرُ الْأَفْشِينِ فِي الْمَيْمَنَةِ، وَبَيْنَ كُلِّ عَسْكَرٍ وَعَسْكَرٍ فَرْسَخَانِ، وَأَمَرَ كُلَّ عَسْكَرٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَيْمَنَةٌ وَمَيْسَرَةٌ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْرِقُوا الْقُرَى، وَيُخَرِّبُوهَا، وَيَأْخُذُوا مَنْ لَحِقُوا فِيهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ كُلُّ طَائِفَةٍ إِلَى صَاحِبِهَا، يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي مَا بَيْنَ أَنْقَرَةَ وَعَمُّورِيَّةَ، وَبَيْنَهُمَا سَبْعُ مَرَاحِلَ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ حَتَّى وَافَوْا عَمُّورِيَّةَ.

وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ وَرَدَهَا أَشْنَاسُ، ثُمَّ الْمُعْتَصِمُ، ثُمَّ الْأَفْشِينُ، فَدَارُوا حَوْلَهَا، وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْقُوَّادِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَبْرَاجًا مِنْهَا عَلَى قَدْرِ أَصْحَابِهِ.

وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَسَرَهُ الرُّومُ بِعَمُّورِيَّةَ، فَتَنَصَّرَ، فَلَمَّا رَأَى الْمُسْلِمِينَ خَرَجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>