فَأَتَاهُ الْخَبَرُ بِأَنَّ عَسْكَرًا عَظِيمًا قَدْ دَخَلَ بِلَادَهُمْ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَرْمَنْيَاقِ، يَعْنِي عَسْكَرَ الْأَفْشِينِ، قَالُوا: فَلَمَّا أُخْبِرَ اسْتَخْلَفَ ابْنَ خَالِهِ عَلَى عَسْكَرِهِ، وَسَارَ يُرِيدُ نَاحِيَةَ الْأَفْشِينِ، فَوَجَّهَ أَشْنَاسُ بِهِمْ إِلَى الْمُعْتَصِمِ، فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَكَتَبَ الْمُعْتَصِمُ كِتَابًا إِلَى الْأَفْشِينِ يُعْلِمُهُ أَنَّ مَلِكَ الرُّومِ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُقِيمَ مَكَانَهُ، خَوْفًا عَلَيْهِ مِنَ الرُّومِ، إِلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ كِتَابَهُ، وَضَمِنَ لِمَنْ يُوصِّلُ كِتَابَهُ إِلَى الْأَفْشِينِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ.
فَسَارَتِ الرُّسُلُ بِالْكِتَابِ إِلَى الْأَفْشِينِ، فَلَمْ يَرَوْهُ لِأَنَّهُ أَوْغَلَ فِي بِلَادِ الرُّومِ وَكَتَبَ الْمُعْتَصِمُ إِلَى أَشْنَاسَ يَأْمُرُهُ بِالتَّقَدُّمِ، فَتَقَدَّمَ وَالْمُعْتَصِمُ مِنْ وَرَائِهِ، فَلَمَّا رَحَلَ أَشْنَاسُ نَزَلَ الْمُعْتَصِمُ مَكَانَهُ، حَتَّى صَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْقَرَةَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ، فَضَاقَ عَسْكَرُ الْمُعْتَصِمِ ضِيقًا شَدِيدًا مِنَ الْمَاءِ وَالْعَلَفِ.
وَكَانَ أَشْنَاسُ قَدْ أَسَرَ فِي طَرِيقِهِ عِدَّةَ أَسْرَى، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَنْتَفِعُ بِقَتْلِي، وَأَنْتَ وَعَسْكَرُكَ فِي ضِيقٍ، وَهَاهُنَا قَوْمٌ قَدْ هَرَبُوا مِنْ أَنْقَرَةَ خَوْفًا مِنْكُمْ، وَهُمْ بِالْقُرْبِ مِنَّا، مَعَهُمُ الطَّعَامُ وَالشَّعِيرُ وَغَيْرُهُمَا، فَوَجِّهْ مَعِي قَوْمًا لِأُسَلِّمَهُمْ إِلَيْهِمْ، وَخَلِّ سَبِيلِي! فَسَيَّرَ مَعَهُ خَمْسَمِائَةِ فَارِسٍ، وَدَفَعَ الشَّيْخَ إِلَى مَالِكِ بْنِ كَيْدَرَ، وَقَالَ لَهُ: مَتَى أَرَاكَ هَذَا الشَّيْخُ سَبْيًا كَثِيرًا، أَوْ غَنِيمَةً كَبِيرَةً، فَخَلِّ سَبِيلَهُ.
فَسَارَ بِهِمُ الشَّيْخُ، فَأَوْرَدَهُمْ عَلَى وَادٍ وَحَشِيشٍ، فَأَمْرَجُوا دَوَابَّهُمْ، وَشَرِبُوا وَأَكَلُوا، وَسَارُوا حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الْغَيْضَةِ، وَسَارَ بِهِمُ الشَّيْخُ حَتَّى أَتَى جَبَلًا، فَنَزَلَهُ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَ الشَّيْخُ: وَجِّهُوا رَجُلَيْنِ يَصْعَدَانِ هَذَا الْجَبَلَ، فَيَنْظُرَا مَا فَوْقَ، فَيَأْخُذَانِ مَنْ أَدْرَكَا! فَصَعِدَ أَرْبَعَةٌ، فَأَخَذُوا رَجُلًا وَامْرَأَةً، فَسَأَلَهُمَا الشَّيْخُ عَنْ أَهْلِ أَنْقَرَةَ، فَدَلَّاهُ عَلَيْهِمْ، فَسَارَ بِالنَّاسِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى أَهْلِ أَنْقَرَةَ، وَهُمْ فِي طَرَفِ مَلَّاحَةٍ، فَلَمَّا رَأَوُا الْعَسْكَرَ أَدْخَلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ الْمَلَّاحَةَ، وَقَاتَلُوهُمْ عَلَى طَرَفِهَا، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ وَأَخَذُوا مِنَ الرُّومِ عِدَّةَ أَسْرَى، وَفِيهِمْ مَنْ فِيهِ جِرَاحَاتٌ عُتْقٌ (مُتَقَدِّمَةٌ) فَسَأَلُوهُمْ عَنْ تِلْكَ الْجِرَاحَاتِ، فَقَالُوا: كُنَّا فِي وَقْعَةِ الْمَلِكِ مَعَ الْأَفْشِينِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلِكَ لَمَّا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute