بِالْمَنْجَنِيقَاتِ الَّتِي حَوْلَ السُّورِ، فَجَمَعَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ حَوْلَ الثُّلْمَةِ وَأَمَرَ أَنْ يُرْمَى ذَلِكَ الْمَوْضِعُ.
وَكَانَتِ الْحَرْبُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِيَ عَشَرَ عَلَى الْأَفْشِينِ وَأَصْحَابِهِ، وَأَجَادُوا الْحَرْبَ، وَتَقَدَّمُوا، وَالْمُعْتَصِمُ عَلَى دَابَّتِهِ بِإِزَاءِ الثُّلْمَةِ، وَأَشْنَاسُ وَالْأَفْشِينُ وَخَوَاصُّ الْقُوَّادِ مَعَهُ، فَقَالَ الْمُعْتَصِمُ: مَا أَحْسَنَ مَا كَانَ الْحَرْبُ الْيَوْمَ! وَقَالَ عُمَرُ الْفَرْغَانِيُّ: الْحَرْبُ الْيَوْمَ أَجْوَدُ مِنْهَا الْأَمْسَ، فَأَمْسَكَ أَشْنَاسُ.
فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَانْصَرَفَ الْمُعْتَصِمُ وَالنَّاسُ، وَقَرُبَ أَشْنَاسُ مِنْ مِضْرَبِهِ، تَرَجَّلَ لَهُ الْقُوَّادُ، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، وَفِيهِمُ الْفَرْغَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ بْنِ هِشَامٍ، فَقَالَ لَهُمْ أَشْنَاسُ: يَا أَوْلَادَ الزِّنَا! إِيشِ تَمْشُونَ بَيْنَ يَدَيَّ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُقَاتِلُوا أَمْسِ؛ حَيْثُ تَقِفُونَ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَقُولُونَ الْحَرْبُ الْيَوْمَ أَجْوَدُ مِنْهَا أَمْسِ، كَانَ يُقَاتِلُ أَمْسِ غَيْرُكُمْ، انْصَرِفُوا إِلَى مَضَارِبِكُمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ الْفَرْغَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ، قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا الْعَبْدِ ابْنِ الْفَاعِلَةِ، يَعْنِي أَشْنَاسَ، مَا صَنَعَ الْيَوْمَ؟ أَلَيْسَ الدُّخُولُ إِلَى الرُّومِ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا؟
فَقَالَ الْفَرْغَانِيُّ لِأَحْمَدَ، وَكَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمَأْمُونِ: سَيَكْفِيكَ اللَّهُ أَمْرَهُ عَنْ قَرِيبٍ، فَأَلَحَّ أَحْمَدُ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرَهُ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْعَبَّاسَ فَيَكُونَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: هَذَا أَمْرٌ أَظُنُّهُ لَا يَتِمُّ، قَالَ الْفَرْغَانِيُّ: قَدْ تَمَّ، وَأَرْشَدَهُ إِلَى الْحَارِثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ فَأَتَاهُ، فَرَفَعَ الْحَارِثُ خَبَرَهُ إِلَى الْعَبَّاسِ، فَكَرِهَ الْعَبَّاسُ أَنْ يَعْلَمَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ، فَأَمْسَكُوا عَنْهُ.
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ كَانَتِ الْحَرْبُ عَلَى أَصْحَابِ الْمُعْتَصِمِ، وَمَعَهُمُ الْمَغَارِبَةُ وَالْأَتْرَاكُ، وَكَانَ الْقَيِّمُ بِذَلِكَ إِيتَاخَ، فَقَاتَلُوا، وَأَحْسَنُوا، وَاتَّسَعَ لَهُمْ هَدْمُ السُّورِ، فَلَمْ تَزَلِ الْحَرْبُ كَذَلِكَ حَتَّى كَثُرَتِ الْجِرَاحَاتُ فِي الرُّومِ.
وَكَانَ بَطَارِقَةُ الرُّومِ قَدِ اقْتَسَمُوا أَبْرَاجَ السُّورِ، وَكَانَ الْبِطْرِيقُ الْمُوَكَّلُ بِهَذِهِ النَّاحِيَةِ " وَنْدُوا " وَتَفْسِيرُهُ: ثَوْرٌ، فَقَاتَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَفِي الْأَيَّامِ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَمُدُّهُ نَاطِسُ، وَلَا غَيْرُهُ بِأَحَدٍ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ مَشَى " وَنْدُوا " إِلَى الرُّومِ فَقَالَ: إِنَّ الْحَرْبَ عَلَيَّ وَعَلَى أَصْحَابِي، وَلَمْ يَبْقَ مَعِي أَحَدٌ إِلَّا جُرِحَ، فَصَيِّرُوا أَصْحَابَكُمْ عَلَى الثُّلْمَةِ يَرْمُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute