وَبَلَغَ الْخَبَرُ مَازْيَارَ، فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ، قَالَ لَهُ الْقُوهِيَارُ: فِي حَبْسِكَ عِشْرُونَ أَلْفًا مِنْ بَيْنِ حَائِكٍ، وَإِسْكَافٍ، وَحَدَّادٍ، وَقَدْ شَغَلْتَ نَفْسَكَ بِهِمْ، وَإِنَّمَا (أُتِيتَ مِنْ مَأْمَنِكَ) وَأَهْلِ بَيْتِكَ، فَمَا تَصْنَعُ بِهَؤُلَاءِ الْمُحْبَسِينَ عِنْدَكَ؟ قَالَ: فَأَطْلَقَ مَازِيَارُ جَمِيعُ مَنْ حَبَسَهُ، وَدَعَا جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ بُيُوتَكُمْ فِي السَّهْلِ، وَأَخَافُ أَنْ يُؤْخَذَ حُرَمُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ، فَانْطَلِقُوا وَخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ أَمَانًا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ.
وَلَمَّا بَلَغَ أَهْلَ سَارِيَةَ أَخْذُ سَرْخَاسَتَانَ وَدُخُولُ حَيَّانَ جَبَلَ شُرْوِينَ وَثَبُوا عَلَى عَامِلِ مَازِيَارَ بِسَارِيَةَ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ، وَفَتَحَ النَّاسُ السِّجْنَ، وَأَخْرَجُوا مَنْ فِيهِ، وَأَتَى حَيَّانُ إِلَى مَدِينَةِ سَارِيَةَ، وَبَلَغَ قُوهِيَارَ أَخَا مَازِيَارَ الْخَبَرُ، فَأَرْسَلَ إِلَى حَيَّانَ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ حَفْصٍ يَطْلُبُ الْأَمَانَ، وَأَنْ يُمَلَّكَ عَلَى جِبَالِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ لِيُسَلِّمَ إِلَيْهِ مَازِيَارَ، فَحَضَرَ عِنْدَ حَيَّانَ وَمَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ الصَّقْرِ، وَأَبْلَغَاهُ الرِّسَالَةَ، فَأَجَابَ إِلَى ذَلِكَ.
فَلَمَّا رَجَعَا رَأَى حَيَّانُ تَحْتَ أَحْمَدَ فَرَسًا حَسَنًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَأَخَذَهُ مِنْهُ، فَغَضِبَ أَحْمَدُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذَا الْحَائِكُ الْعَبْدُ يَفْعَلُ بِشَيْخٍ مِثْلِي مَا فَعَلَ! ثُمَّ كَتَبَ إِلَى قُوهِيَارَ: وَيْحَكَ! لِمَ تَغْلَطُ فِي أَمْرِكَ وَتَتْرُكُ مِثْلَ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَمِّ الْأَمِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ، وَتَدْخُلُ فِي أَمَانِ هَذَا الْعَبْدِ الْحَائِكِ، وَتَدْفَعُ إِلَيْهِ أَخَاكَ، وَتَضَعُ قَدْرَكَ، وَتُحْقِدُ عَلَيْكَ الْحَسَنَ بِتَرْكِكَ إِيَّاهُ، وَبِمَيْلِكَ إِلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ؟
فَكَتَبَ إِلَيْهِ قُوهِيَارُ: أَرَانِي قَدْ غَلَطْتُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَوَعَدْتُ الرَّجُلَ أَنْ أَصِيرَ إِلَيْهِ بَعْدَ غَدٍ، وَلَا آمَنُ إِنْ خَالَفْتُهُ أَنْ يُنَاهِضَنِي وَيَسْتَبِيحَ دَمِي وَمَنْزِلِي وَأَمْوَالِي، وَإِنْ قَاتَلْتُهُ فَقَتَلْتُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَجَرَتِ الدِّمَاءُ فَسَدَ كُلُّ مَا عَمِلْنَاهُ، وَوَقَعْتِ الشَّحْنَاءُ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْمِيعَادِ فَابْعَثْ إِلَيْهِ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِكَ، وَاكْتُبْ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ عَرَضَتْ عِلَّةٌ مَنَعَتْنِي عَنِ الْحَرَكَةِ، وَأَنَّكَ تَتَعَالَجُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ عُوفِيتَ، وَإِلَّا سِرْتُ إِلَيْكَ فِي مَحْمَلٍ، وَسَنَحْمِلُهُ نَحْنُ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ، وَكَتَبَ أَحْمَدُ بْنُ الصَّقْرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute