فَوَافَوْا قُوهِيَارَ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِمُ الْجَبَلَ، (فَدَخَلُوهُ) ، وَدُرِّيُّ يُحَارِبُ الْحَسَنَ وَمَازِيَارُ فِي قَصْرِهِ، فَلَمْ يَشْعُرْ مَازِيَارُ إِلَّا وَالْخَيْلُ عَلَى بَابِ قَصْرِهِ، فَأَخَذُوهُ أَسِيرًا.
وَقِيلَ إِنَّ مَازِيَارَ كَانَ يَتَصَيَّدُ، فَأَخَذُوهُ وَقَصَدُوا بِهِ نَحْو دُرِّيَّ وَهُوَ يُقَاتِلُ، فَلَمْ يَشْعُرْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا وَعَسْكَرُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَمَعَهُمْ مَازِيَارُ، فَانْدَفَعَ دُرِّيُّ وَعَسْكَرُهُ، وَاتَّبَعُوهُ، وَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا رَأْسَهُ، وَحَمَلُوهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ، وَحَمَلُوا إِلَيْهِ مَازِيَارَ، فَوَعَدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ إِنْ هُوَ أَظْهَرَهُ عَلَى كُتُبِ الْأَفْشِينِ أَنْ يَسْأَلَ فِيهِ الْمُعْتَصِمَ لِيَصْفَحَ عَنْهُ، فَأَقَرَّ مَازِيَارُ بِذَلِكَ، وَأَظْهَرَ الْكُتُبَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ، فَسَيَّرَهَا إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَسَيَّرَ مَازِيَارَ، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُسَلِّمَهَا إِلَّا مِنْ يَدِهِ إِلَى يَدِ الْمُعْتَصِمِ، فَفَعَلَ إِسْحَاقُ ذَلِكَ، فَسَأَلَ الْمُعْتَصِمُ مَازِيَارَ عَنِ الْكُتُبِ، فَأَنْكَرَهَا، فَضَرَبَهُ حَتَّى مَاتَ، وَصَلَبَهُ إِلَى جَانِبِ بَابَكَ.
وَقِيلَ إِنَّ مُخَالَفَةَ مَازِيَارَ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ قَتْلَهُ كَانَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ إِنَّهُ اعْتَرَفَ بِالْكُتُبِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ عِصْيَانِ مَنْكَجُورَ قَرَابَةِ الْأَفْشِينِ
لَمَّا فَرَغَ الْأَفْشِينُ مِنْ بَابَكَ وَعَادَ إِلَى سَامَرَّا، اسْتَعْمَلَ عَلَى أَذْرَبِيجَانَ، وَكَانَ عَامِلُهُ مَنْكَجُورَ، وَهُوَ مِنْ أَقَارِبِهِ، فَوَجَدَ فِي بَعْضِ قُرَى بَابَكَ مَالًا عَظِيمًا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُعْتَصِمُ، وَلَا الْأَفْشِينُ، فَكَتَبَ صَاحِبُ الْبَرِيدِ إِلَى الْمُعْتَصِمِ، وَكَتَبَ مَنْكَجُورُ يُكَذِّبُهُ، فَتَنَاظَرَا، فَهَمَّ مَنْكَجُورُ لِيَقْتُلَهُ، فَمَنَعَهُ أَهْلُ أَرْدَبِيلَ، فَقَاتَلَهُمْ مَنْكَجُورُ.
وَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُعْتَصِمَ، فَأَمَرَ الْأَفْشِينَ بِعَزْلِ مَنْكَجُورَ، فَوَجَّهَ قَائِدًا فِي عَسْكَرٍ ضَخْمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ مَنْكَجُورَ الْخَبَرُ خَلَعَ الطَّاعَةَ، وَجَمَّعَ الصَّعَالِيكَ، وَخَرَجَ مِنْ أَرْدَبِيلَ، فَوَاقَعَهُ الْقَائِدُ، فَهَزَمَهُ، وَسَارَ إِلَى حِصْنٍ مِنْ حُصُونِ أَذْرَبِيجَانَ الَّتِي كَانَ بَابَكُ خَرَّبَهَا، فَبَنَاهُ، وَأَصْلَحَهُ، وَتَحَصَّنَ فِيهِ، فَبَقِيَ بِهِ شَهْرًا.
ثُمَّ وَثَبَ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَأَسْلَمُوهُ إِلَى ذَلِكَ الْقَائِدِ، فَقَدِمَ بِهِ إِلَى سَامَرَّا، فَحَبَسَهُ الْمُعْتَصِمُ، وَاتَّهَمَ الْأَفْشِينَ فِي أَمْرِهِ، وَكَانَ قُدُومُهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute