وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ الْقَائِدَ (الَّذِي أُنْفِذَ إِلَى مَنْكَجُورَ) كَانَ بُغَا الْكَبِيرُ، وَإِنَّ مَنْكَجُورَ خَرَجَ إِلَيْهِ بِأَمَانٍ.
ذِكْرُ وِلَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَوْصِلَ وَقَتْلِهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَصَى بِأَعْمَالِ الْمَوْصِلِ إِنْسَانٌ مِنْ مُقَدَّمِي الْأَكْرَادِ اسْمُهُ جَعْفَرُ بْنُ فَهْرَجْسَ، وَتَبِعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْأَكْرَادِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُرِيدُ الْفَسَادَ، فَاسْتَعْمَلَ الْمُعْتَصِمُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّيِّدِ بْنِ أَنَسٍ الْأَزْدِيَّ عَلَى الْمَوْصِلِ، وَأَمَرَهُ بِقِتَالِ جَعْفَرٍ، فَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَكَانَ جَعْفَرُ بِمَانِعِيسَ قَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا، فَتَوَجَّهَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِ، وَقَاتَلَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ مَانِعِيسَ.
فَقَصَدَ جَبَلَ دَاسِنَ، وَامْتَنَعَ بِمَوْضِعٍ عَالٍ فِيهِ لَا يُرَامُ، وَالطَّرِيقُ إِلَيْهِ ضَيِّقٌ، فَقَصَدَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى هُنَاكَ، وَتَوَغَّلَ فِي تِلْكَ الْمَضَايِقِ، حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهِ وَقَاتَلَهُ، فَاسْتَظْهَرَ جَعْفَرٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَكْرَادِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ، وَقُوَّتِهِمْ عَلَى الْقِتَالِ بِهَا رَجَّالَةً، فَانْهَزَمَ عَبْدُ اللَّهِ وَقُتِلَ أَكْثَرُ مَنْ مَعَهُ.
وَمِمَّنْ أُظْهِرَ مِنْهُمْ إِنْسَانٌ اسْمُهُ رَبَاحٌ حَمَلَ عَلَى الْأَكْرَادِ، فَخَرَقَ صَفَّهُمْ، وَطَعَنَ فِيهِمْ، وَقَتَلَ، وَصَارَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَشَغَلَهُمْ عَنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى نَجَا مِنْهُمْ مَنْ أَمْكَنَهُ النَّجَاةُ، فَتَكَاثَرَ الْأَكْرَادُ عَلَيْهِ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ مِنْ رَأَسِ الْجَبَلِ عَلَى فَرَسِهِ، وَكَانَ تَحْتَهُ نَهْرٌ، فَسَقَطَ الْفَرَسُ فِي الْمَاءِ وَنَجَا رَبَاحٌ.
وَكَانَ فِيمَنْ أَسَرَهُ جَعْفَرٌ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ، وَالْآخَرُ إِسْحَاقُ بْنُ أَنَسٍ، وَهُوَ عَمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّيِّدِ، وَكَانَ إِسْحَاقُ صِهْرَ جَعْفَرٍ، فَقَدَّمَهُمَا جَعْفَرٌ إِلَيْهِ، فَظَنَّ إِسْمَاعِيلُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ، وَلَا يَقْتُلُ إِسْحَاقَ لِلصِّهْرِ الَّذِي بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: يَا إِسْحَاقُ أُوصِيكَ بِأَوْلَادِي، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: أَتَظُنُّ أَنَّكَ تُقْتَلُ وَأَبْقَى بَعْدَكَ؟ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى جَعْفَرٍ، فَقَالَ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَقْتُلَنِي قَبْلَهُ لِتَطِيبَ نَفْسُهُ، فَبَدَأَ بِهِ فَقَتَلَهُ، وَقَتَلَ إِسْمَاعِيلَ بَعْدَهُ.
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُعْتَصِمُ أَمَرَ إِيتَاخَ بِالْمَسِيرِ إِلَى جَعْفَرٍ وَقِتَالِهِ، فَتَجَهَّزَ، وَسَارَ إِلَى الْمَوْصِلِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَقَصَدَ جَبَلَ دَاسِنَ، وَجَعَلَ طَرِيقَهُ عَلَى سُوقِ الْأَحَدِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute