قَدْ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَمْرِ الْأَفْشِينِ حَدِيثٌ، فَقَالَ أَوَاجِنُ: لَا يَتِمُّ هَذَا الْأَمْرُ، فَذَهَبَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَى الْأَفْشِينِ فَأَعْلَمَهُ، فَتَهَدَّدَ أَوَاجِنُ، فَسَمِعَهُ بَعْضُ مَنْ يَمِيلُ إِلَى أَوَاجِنَ مِنْ خَدَمِ الْأَفْشِينِ، فَأَتَاهُ ذَلِكَ الْخَادِمُ فَأَعْلَمَهُ الْحَالَ بَعْدَ عَوْدِهِ مِنَ النَّوْبَةِ، فَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ، فَخَرَجَ إِلَى دَارِ الْمُعْتَصِمِ، فَقَالَ لِإِيتَاخَ: إِنَّ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدِي نَصِيحَةً، قَالَ: قَدْ نَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ أَوَاجِنُ: لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَصْبِرَ إِلَى غَدٍ، فَدَقَّ إِيتَاخُ الْبَابَ عَلَى بَعْضِ مَنْ يُخْبِرُ الْمُعْتَصِمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ الْمُعْتَصِمُ: قُلْ لَهُ يَنْصَرِفُ اللَّيْلَةَ إِلَى غَدٍ! فَقَالَ: إِنِ انْصَرَفْتُ ذَهَبَتْ نَفْسِي، فَأَرْسَلَ الْمُعْتَصِمُ إِلَى إِيتَاخَ: بَيِّتْهُ عِنْدَكَ اللَّيْلَةَ.
فَبَيَّتَهُ عِنْدَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بَكَّرَ بِهِ عَلَى بَابِ الْمُعْتَصِمِ، فَأَخْبَرَهُ بِجَمِيعِ مَا كَانَ عِنْدَهُ، فَأَمَرَ الْمُعْتَصِمُ بِإِحْضَارِ الْأَفْشِينِ، فَجَاءَ فِي سَوَادِهِ، فَأَمَرَ بِأَخْذِ سَوَادِهِ وَحَبْسِهِ فِي الْجَوْسَقِ، وَكَتَبَ الْمُعْتَصِمُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ فِي الِاحْتِيَالِ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ الْأَفْشِينِ، وَكَانَ الْحُسَيْنُ قَدْ كَثُرَتْ كُتُبُهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَشَكَا مِنْ نُوحِ بْنِ الْأَسَدِ الْأَمِيرِ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَتَحَامُلَهُ عَلَى ضِيَاعِهِ، وَنَاحِيَتِهِ، فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى نُوحٍ يُعْلِمُهُ مَا كَتَبَ بِهِ الْمُعْتَصِمُ فِي أَمْرِ الْحُسَيْنِ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَجْمَعَ أَصْحَابَهُ وَيَتَأَهَّبَ، فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ بِكِتَابِ وِلَايَتِهِ فَخُذْهُ، وَاسْتَوْثِقْ مِنْهُ، وَاحْمِلْهُ إِلَيَّ.
وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى الْحُسَيْنِ يُعْلِمُهُ أَنَّهُ قَدْ عَزَلَ نُوحًا، وَأَنَّهُ قَدْ وَلَّاهُ نَاحِيَتَهُ، وَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِكِتَابِ عَزْلِ نُوحٍ وَوِلَايَتِهِ، فَخَرَجَ ابْنُ الْأَفْشِينِ فِي قِلَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَسِلَاحِهِ، حَتَّى وَرَدَ عَلَى نُوحٍ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ وَالِي النَّاحِيَةِ، فَأَخَذَهُ نُوحٌ وَقَيَّدَهُ، وَوَجَّهَهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ، فَوَجَّهَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى الْمُعْتَصِمِ، فَأَمَرَ الْمُعْتَصِمُ بِإِحْضَارِ الْأَفْشِينِ لِيُقَابَلَ عَلَى مَا قِيلَ عَنْهُ، فَأُحْضِرَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ، وَزِيرِ الْمُعْتَصِمِ، وَعِنْدَهُ ابْنُ أَبِي دُؤَادَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَعْيَانِ، وَكَانَ الْمُنَاظِرُ لَهُ ابْنَ الزَّيَّاتِ، فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ مَازِيَارَ، وَالْمُوبَذَ، وَالْمَرْزُبَانِ بْنِ بَرْكَشٍ، وَهُوَ أَحَدُ مُلُوكِ السُّغْدِ، وَرَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ السُّغْدِ، فَدَعَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِالرَّجُلَيْنِ، وَعَلَيْهِمَا ثِيَابٌ رَثَّةٌ، فَقَالَ لَهُمَا: مَا شَأْنُكُمَا؟ فَكَشَفَا عَنْ ظُهُورِهِمَا، وَهِيَ عَارِيَةٌ مِنَ اللَّحْمِ، فَقَالَ لِلْأَفْشِينِ: أَتَعْرِفُ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا مُؤَذِّنٌ، وَهَذَا إِمَامٌ بَنَيَا مَسْجِدًا بِأُشْرُوسَنَةَ، فَضَرَبْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفَ سَوْطٍ، وَذَلِكَ أَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ مَلِكِ السُّغْدِ عَهْدًا وَشَرْطًا أَنْ أَتْرُكَ كُلَّ قَوْمٍ عَلَى دِينِهِمْ، فَوَثَبَ هَذَانِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute