بَيْتٍ كَانَ فِيهِ أَصْنَامُ أَهْلِ أُشْرُوسَنَةَ، فَأَخْرَجَا الْأَصْنَامَ وَجَعَلَاهُ مَسْجِدًا، فَضَرَبْتُهُمَا عَلَى هَذَا.
قَالَ ابْنُ الزَّيَّاتِ: مَا كِتَابٌ عِنْدَكَ قَدْ حَلَّيْتَهُ بِالذَّهَبِ وَالْجَوْهَرِ فِيهِ الْكُفْرُ بِاللَّهِ تَعَالَى؟
قَالَ: كِتَابٌ وَرِثْتُهُ عَنْ أَبِي فِيهِ مِنْ آدَابِ الْعَجَمِ وَكُفْرِهِمْ، فَكُنْتُ آخُذُ الْآدَابَ وَأَتْرُكُ الْكُفْرَ، وَوَجَدْتُهُ مُحَلًّى، فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَى أَخْذِ الْحِلْيَةِ مِنْهُ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّ هَذَا يُخْرِجُ مِنَ الْإِسْلَامِ.
ثُمَّ تَقَدَّمَ الْمُوبَذُ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْمَخْنُوقَةِ، وَيَحْمِلُنِي عَلَى أَكْلِهَا، وَيَزْعُمُ أَنَّهَا أَرْطَبُ مِنَ الْمَذْبُوحَةِ. وَقَالَ لِي يَوْمًا: قَدْ دَخَلْتُ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَكْرَهُهُ، حَتَّى أَكَلْتُ الزَّيْتَ، وَرَكِبْتُ الْجَمَلَ، وَالْبَغْلَ، غَيْرَ أَنِّي إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ لَمْ تَسْقُطْ عَنِّي شَعْرَةٌ، يَعْنِي أَخَذَ شَعْرَ الْعَانَةِ، وَلَمْ أَخْتَتِنْ.
فَقَالَ الْأَفْشِينُ: أَخْبِرُونِي عَنْ هَذَا أَثِقَةٌ هُوَ فِي دِينِهِ؟ وَكَانَ مَجُوسِيًّا، وَإِنَّمَا أَسْلَمَ أَيَّامَ الْمُتَوَكِّلِ، فَقَالُوا: لَا! فَقَالَ: فَمَا مَعْنَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ؟ ثُمَّ قَالَ لِلْمُوبَذِ: أَلَيْسَ كُنْتُ أُدْخِلُكَ عَلَيَّ وَأُطْلِعُكَ عَلَى سِرِّي؟ قَالَ: بَلَى! قَالَ: لَسْتَ بِالثِّقَةِ فِي دِينِكَ، وَلَا بِالْكَرِيمِ فِي عَهْدِكَ، إِذْ أَفْشَيْتَ سِرًّا أَسْرَرْتُهُ إِلَيْكَ.
ثُمَّ تَقَدَّمَ الْمَرْزُبَانُ فَقَالَ: كَيْفَ يَكْتُبُ إِلَيْكَ أَهْلُ بَلَدِكَ؟ قَالَ: لَا أَقُولُ! قَالَ: أَلَيْسَ يَكْتُبُونَ بِكَذَا بِالْأَشْرُوسَنِّيَّةِ؟ قَالَ: بَلَى! قَالَ: أَلَيْسَ تَفْسِيرُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: إِلَى إِلَهِ الْآلِهَةِ مَنْ عَبَدَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ؟ قَالَ: بَلَى! قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتُ: الْمُسْلِمُونَ لَا يَحْتَمِلُونَ هَذَا، فَمَا أَبْقَيْتَ لِفِرْعَوْنَ؟ (قَالَ: هَذِهِ كَانَتْ) عَادَتَهُمْ لِأَبِي وَجَدِّي وَلِي قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَضَعَ نَفْسِي دُونَهُمْ فَتُفْسِدَ عَلَيَّ طَاعَتَهُمْ.
ثُمَّ تَقَدَّمَ مَازِيَارُ فَقَالُوا لِلْأَفْشِينِ: هَلْ كَاتَبْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَا! قَالُوا لِمَازِيَارَ: هَلْ كَتَبَ إِلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَتَبَ أَخُوهُ إِلَى أَخِي قُوهِيَارَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَنْصُرُ هَذَا الدِّينَ (الْأَبْيَضَ) غَيْرِي وَغَيْرُكَ، فَأَمَّا بَابَكَ فَإِنَّهُ لِحُمْقِهِ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَلَقَدْ جَهِدْتُ أَنْ أَصْرِفَ عَنْهُ الْمَوْتَ، فَأَبَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute