لِحُمْقِهِ إِلَّا أَنْ أُوقِعَهُ، فَإِنْ خَالَفْتَ لَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ مَنْ يَرْمُونَكَ بِهِ غَيْرِي، وَمَعِيَ الْفُرْسَانُ، وَأَهْلُ النَّجْدَةِ، فَإِنْ وُجِّهْتُ إِلَيْكَ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يُحَارِبُنَا إِلَّا ثَلَاثَةٌ: الْعَرَبُ، وَالْمَغَارِبَةُ، وَالْأَتْرَاكُ، وَالْعَرَبِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ اطْرَحْ لَهُ كِسْرَةً وَاضْرِبْ رَأْسَهُ، وَالْمَغَارِبَةُ أَكَلَةُ رَأَسٍ، وَالْأَتْرَاكُ، فَإِنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ حَتَّى تَنْفَدَ سِهَامُهُمْ، ثُمَّ تَجُولُ الْخَيْلُ عَلَيْهِمْ جَوْلَةً فَتَأْتِي عَلَى آخِرِهِمْ، وَيَعُودُ الدِّينُ إِلَى مَا لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَيَّامَ الْعَجَمِ.
فَقَالَ الْأَفْشِينُ: هَذَا يَدَّعِي أَنَّ أَخِي كَتَبَ إِلَى أَخِيهِ: لَا يَجِبُ عَلَيَّ، وَلَوْ كَتَبْتُ هَذَا الْكِتَابَ إِلَيْهِ لِأَسْتَمِيلَهُ إِلَيَّ وَيَثِقَ بِي، ثُمَّ آخُذُهُ بِقَفَاهُ، وَأَحْظَى بِهِ عِنْدَ الْخَلِيفَةِ، كَمَا حَظِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ، فَزَجَرَهُ ابْنُ أَبِي دُؤَادَ، فَقَالَ الْأَفْشِينُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَنْتَ تَرْفَعُ طَيْلَسَانَكَ فَلَا تَضَعُهُ حَتَّى تَقْتُلَ جَمَاعَةً.
فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي دُؤَادَ: أَمُطَهَّرٌ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا! قَالَ: فَمَا مَنَعَكَ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ تَمَامُ الْإِسْلَامِ، وَالطَّهُورُ مِنَ النَّجَاسَةِ؟ فَقَالَ: أَوَلَيِسَ فِي الْإِسْلَامِ اسْتِعْمَالُ التَّقِيَّةِ؟ قَالَ: بَلَى! قَالَ: خِفْتُ أَنْ أَقْطَعَ ذَلِكَ الْعُضْوَ مِنْ جَسَدِي فَأَمُوتَ، فَقَالَ: أَنْتَ تَطْعَنُ بِالرُّمْحِ، وَتَضْرِبُ بِالسَّيْفِ، فَلَا يَمْنَعُكَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْحَرْبِ، وَتَجْزَعُ مِنْ قَطْعِ قَلَفَةٍ؟ قَالَ: تِلْكَ ضَرُورَةٌ تُصِيبُنِي فَأَصْبِرُ عَلَيْهَا، وَهَذَا شَيْءٌ أَسْتَجْلِبُهُ.
فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادَ: قَدْ بَانَ لَكُمْ أَمْرُهُ، فَقَالَ لِبُغَا الْكَبِيرُ: عَلَيْكَ بِهِ! فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مِنْطَقَتِهِ، فَجَذَبَهَا، وَأَخَذَ بِمَجَامِعِ الْقَبَاءِ عِنْدَ عُنُقِهِ، وَرَدَّهُ إِلَى مَحْبَسِهِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ غَضِبَ الْمُعْتَصِمُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ دِينَارٍ لِأَجْلِ وُثُوبِهِ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْأَصْحَابِ، وَحَبَسَهُ عِنْدَ أَشْنَاسَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ رَضِيَ عَنْهُ، وَعَزَلَهُ عَنِ الْيَمَنِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا إِيتَاخَ.
وَفِيهَا عَزَلَ الْأَفْشِينَ عَنِ الْحَرَسِ، وَوَلَّاهُ إِسْحَاقَ بْنَ يَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute