فَلَمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ وَرَأَوْا قِلَّةَ مَنْ مَعَ بُغَا عَبَّأُوا، وَجَعَلُوا رَجَّالَتَهُمْ أَمَامَهُمْ، وَنَعَمَهُمْ وَمَوَاشِيَهُمْ وَرَاءَهُمْ، وَحَمَلُوا عَلَى بُغَا، فَهَزَمُوهُ، حَتَّى بَلَغَ مُعَسْكَرَهُ، وَأَيْقَنَ مَنْ مَعَهُ بِالْهَلَكَةِ.
وَكَانَ بُغَا قَدْ أَرْسَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ مِائَتَيْ فَارِسٍ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ، فَبَيْنَا هُوَ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْعَطَبِ، إِذْ وَصَلَ أَصْحَابُهُ إِلَيْهِ مُنْصَرِفِينَ مِنْ وُجُوهِهِمْ، فَلَمَّا نَظَرَ بَنُو نُمَيْرٍ وَرَأَوْهُمْ قَدْ أَقْبَلُوا مِنْ خَلْفِهِمْ وَلَّوْا هَارِبِينَ، وَأَسْلَمُوا رَجَّالَتَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنَ الرَّجَّالَةِ إِلَّا الْيَسِيرُ، وَأَمَّا الْفُرْسَانُ فَنَجَوْا عَلَى خَيْلِهِمْ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْهَزِيمَةَ كَانَتْ عَلَى بُغَا مُذْ غَدْوَةٍ إِلَى انْتِصَافِ النَّهَارِ، ثُمَّ تَشَاغَلُوا بِالنَّهْبِ، فَرَجَعَ إِلَى بُغَا مَنْ كَانَ انْهَزَمَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَرَجَعَ بِهِمْ، فَهَزَمَ بَنِي نُمَيْرٍ، وَقَتَلَ فِيهِمْ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ زُهَاءَ أَلْفٍ وَخَمْسِ مِائَةِ رَاجِلٍ، وَأَقَامَ بِمَوْضِعِ الْوَاقِعَةِ، فَأَرْسَلَ أُمَرَاءُ الْعَرَبِ يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ، فَأَمَّنَهُمْ، فَأَتَوْهُ، فَقَيَّدَهُمْ، وَأَخَذَهُمْ مَعَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَكَانَتِ الْوَاقِعَةُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ.
ثُمَّ قَدِمَ وَاجِنُ الْأُشْرُوسَنِيُّ عَلَى بُغَا فِي سَبْعِ مِائَةِ مُقَاتِلٍ، مَدَدًا لَهُ، فَسَيَّرَهُ بُغَا فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى بَلَغَ تَبَالَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْيَمَنِ، وَرَجَعَ.
وَكَانَ بُغَا قَدْ كَتَبَ إِلَى صَالِحٍ أَمِيرِ الْمَدِينَةِ لِيُوَافِيَهُ بِبَغْدَاذَ (بِمَنْ عِنْدَهُ مِنْ فَزَارَةَ، وَمُرَّةَ، وَثَعْلَبَةَ، وَكِلَابَ، فَفَعَلَ، فَلَقِيَهُ بِبَغْدَاذَ) ، فَسَارَا جَمِيعًا، وَقَدِمَ بُغَا سَامَرَّا بِمَنْ بَقِيَ مَعَهُ مِنْهُمْ، سِوَى مَنْ هَرَبَ وَمَاتَ وَقُتِلَ فِي الْحُرُوبِ، فَكَانُوا يَزِيدُونَ عَلَى أَلْفَيْ رَجُلٍ مِنْ نُمَيْرٍ، وَكِلَابَ، وَمُرَّةَ، وَفَزَارَةَ، وَثَعْلَبَةَ، وَطَيِّءٍ.
ذِكْرُ مَوْتِ أَبِي جَعْفَرِ الْوَاثِقِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْوَاثِقُ بِاللَّهِ أَبُو جَعْفَرٍ هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعْتَصِمُ فِي ذِي الْحِجَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute