لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْهُ، وَكَانَتْ عِلَّتُهُ الِاسْتِسْقَاءَ، وَعُولِجَ بِالْإِقْعَادِ فِي تَنُّورٍ مُسَخَّنٍ، فَوَجَدَ لِذَلِكَ خِفَّةً، فَأَمَرَهُمْ مِنَ الْغَدِ بِالزِّيَادَةِ فِي إِسْخَانِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَقَعَدَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَحَمِيَ عَلَيْهِ، فَأُخْرِجَ مِنْهُ فِي مِحَفَّةٍ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتُ، وَعُمَرُ بْنُ فَرَجٍ، فَمَاتَ فِيهَا، فَلَمْ يَشْعُرُوا بِمَوْتِهِ، حَتَّى ضَرَبَ بِوَجْهِهِ الْمِحَفَّةَ، فَعَلِمُوا.
وَقِيلَ: إِنَّ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي دُؤَادَ حَضَرَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَغَمَّضَهُ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، جَعَلَ يُرَدِّدُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:
الْمَوْتُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ مُشْتَرِكُ ... لَا سُوقَةٌ مِنْهُمْ تَبْقَى وَلَا مَلِكٌ
مَا ضَرَّ أَهْلَ قَلِيلٍ فِي تَفَاقُرِهِمْ ... وَلَيْسَ يُغْنِي عَنِ الْأَمْلَاكِ مَا مَلَكُوا
وَأَمَرَ بِالْبُسُطِ فَطُوِيَتْ، وَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا مَنْ لَا يَزُولُ مُلْكُهُ، ارْحَمْ مَنْ زَالَ مُلْكُهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الْواثِقِيُّ: كُنْتُ فِيمَنْ يُمَرِّضُ الْوَاثِقَ، فَلِحِقَهُ غَشْيَةٌ، وَأَنَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قِيَامٌ، فَقُلْنَا: لَوْ عَرَفْنَا خَبَرَهُ، فَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا صِرْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَكِدْتُ أَمُوتُ مِنَ الْخَوْفِ، فَرَجَعْتُ إِلَى الْخَلْفِ، وَتَعَلَّقَتْ قُنْبَعَةُ سَيْفِي فِي عَتَبَةِ الْمَجْلِسِ، فَانْدَقَّتْ، وَسَلِمْتُ مِنْ جِرَاحِهِ، وَوَقَفْتُ فِي مَوْقِفِي.
ثُمَّ إِنَّ الْوَاثِقَ مَاتَ، وَسَجَّيْنَاهُ، وَجَاءَ الْفَرَّاشُونَ وَأَخَذُوا مَا تَحْتَهُ فِي الْمَجْلِسِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute