للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَرَمَيْنِ أَمْوَالًا لَا تُحْصَى، حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي أَيَّامِهِ بِالْحَرَمَيْنِ سَائِلٌ.

وَلَمَّا تُوُفِّيَ الْوَاثِقُ كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ تَخْرُجُ مِنْ نِسَائِهِمْ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَبْكِينَ عَلَيْهِ، وَيَنْدُبْنَهُ، فَفَعَلُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ مُنَاوَبَةً; حُزْنًا عَلَيْهِ، لِمَا كَانَ يُكْثِرُ مِنِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَأَطْلَقَ فِي خِلَافَتِهِ أَعْشَارَ سُفُنِ الْبَحْرِ، وَكَانَ مَالًا عَظِيمًا.

قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الضَّحَّاكِ: شَهِدْتُ الْوَاثِقَ بَعْدَ أَنْ مَاتَ الْمُعْتَصِمُ بِأَيَّامٍ، أَوَّلَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ، فَغَنَّتْهُ جَارِيَةُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ.

مَا دَرَى الْحَامِلُونَ، يَوْمَ اسْتَقَلُّوا ... نَعْشَهُ، لِلثَّوَاءِ أَمْ لِلْبَقَاءِ

فَلْيَقُلْ فِيكَ بَاكِيَاتُكَ مَا شِئْنَ

،

صَبَاحًا، وَعِنْدَ كُلِّ مَسَاءِ

فَبَكَى، وَبَكَيْنَا مَعَهُ حَتَّى شَغَلَنَا الْبُكَاءُ عَنْ جَمِيعِ مَا كُنَّا فِيهِ، قَالَ: ثُمَّ تَغَنَّى بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

وَدِّعْ هُرَيْرَةَ إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ

،

وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعًا أَيُّهَا الرَّجُلُ

فَازْدَادَ الْوَاثِقُ بُكَاءً، وَقَالَ: مَا سَمِعْتُ كَالْيَوْمِ تَعْزِيَةً بِأَبٍ نَعِيَ نَفْسٍ، ثُمَّ تَفَرَّقَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ.

قَالَ: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْوَاثِقِ:

أَبَتْ دَارُ الْأَحِبَّةِ أَنْ تُبِينَا ... أَجَدَّكَ مَا رَأَيْتَ لَهَا مُعِينَا

تَقَطَّعُ حَسْرَةً مِنْ حُبِّ لَيْلَى ... نُفُوسٌ مَا أُثِبْنَ وَلَا جُزِينَا

فَصَنَعَتْ فِيهِ عَلَمُ جَارِيَةُ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، فَغَنَّاهُ زَرْزَرُ الْكَبِيرُ لِلْوَاثِقِ، فَسَأَلَهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>