الْمُخَنَّثِينَ، لَهُ شَعْرُ قَفَا، يَسْأَلُنِي أَنْ أَسْأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الرِّضَى عَنْهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْوَاثِقُ: ابْعَثْ إِلَيْهِ، فَأَحْضِرْهُ، وَمُرْ مَنْ يَجُزُّ شَعْرَ قَفَاهُ، فَيَضْرِبُ بِهِ وَجْهَهُ.
قَالَ الْمُتَوَكِّلُ: لَمَّا أَتَانِي رَسُولُهُ لَبِسْتُ سَوَادًا جَدِيدًا، وَأَتَيْتُهُ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَتَاهُ الرِّضَى عَنِّي، فَاسْتَدْعَى حَجَّامًا، فَأَخَذَ شَعْرِي عَلَى السَّوَادِ الْجَدِيدِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ وَجْهِي، فَلَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ الْمُتَوَكِّلُ أُمْهِلَ حَتَّى كَانَ صَفَرُ، فَأَمَرَ إِيتَاخَ بِأَخْذِ ابْنِ الزَّيَّاتِ وَتَعْذِيبِهِ، فَاسْتُحْضِرَ، فَرَكِبَ يَظُنُّ أَنَّ الْخَلِيفَةَ يَسْتَدْعِيهِ، فَلَمَّا حَاذَى مَنْزِلَ إِيتَاخَ عَدَلَ بِهِ إِلَيْهِ، فَخَافَ، فَأَدْخَلَهُ حُجْرَةً، وَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَنَازِلِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ هَجَمَ عَلَيْهَا، وَأَخَذَ كُلَّ مَا فِيهَا، وَاسْتَصْفَى أَمْوَالَهُ وَأَمْلَاكَهُ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ.
وَكَانَ شَدِيدَ الْجَزَعِ، كَثِيرَ الْبُكَاءِ وَالْفِكْرِ، ثُمَّ سُوهِرَ، (وَكَانَ يُنْخَسُ بِمِسَلَّةٍ لِئَلَّا يَنَامَ، ثُمَّ تُرِكَ فَنَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً) ، ثُمَّ جُعِلَ فِي تَنُّورٍ عَمِلَهُ هُوَ، وَعَذَّبَ بِهِ ابْنَ أَسْبَاطٍ الْمِصْرِيِّ، وَأَخَذَ مَالَهُ، فَكَانَ مِنْ خَشَبٍ فِيهِ مَسَامِيرُ مِنْ حَدِيدٍ أَطْرَافُهَا إِلَى دَاخِلِ التَّنُّورِ، وَتَمْنَعُ مَنْ يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْحَرَكَةِ، وَكَانَ ضَيِّقًا بِحَيْثُ إِنَّ الْإِنْسَانَ كَانَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى فَوْقِ رَأْسِهِ; لِيَقْدِرَ عَلَى دُخُولِهِ لِضِيقِهِ، وَلَا يَقْدِرُ مَنْ يَكُونُ فِيهِ يَجْلِسُ، فَبَقِيَ أَيَّامًا، فَمَاتَ.
(وَكَانَ حَبْسُهُ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرَ، وَمَوْتُهُ) إِحْدَى عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ مَوْتِهِ، فَقِيلَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقِيلَ: بَلْ ضُرِبَ فَمَاتَ وَهُوَ يُضْرَبُ، وَقِيلَ مَاتَ بِغَيْرِ ضَرْبٍ، وَهُوَ أَصَحُّ.
فَلَمَّا مَاتَ حَضَرَهُ ابْنَاهُ سُلَيْمَانُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَكَانَا مَحْبُوسَيْنِ، وَطُرِحَ عَلَى الْبَابِ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي حُبِسَ فِيهِ، فَقَالَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرَاحَ مِنْ هَذَا الْفَاسِقِ! وَغَسَّلَاهُ عَلَى الْبَابِ، وَدَفَنَاهُ، فَقِيلَ إِنَّ الْكِلَابَ نَبَشَتْهُ وَأَكَلَتْ لَحْمَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute