قَالَ: وَسُمِعَ قَبْلَ مَوْتِهِ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: يَا مُحَمَّدُ لَمْ تُقْنِعْكَ النِّعْمَةُ، وَالدَّوَابُّ، وَالدَّارُ النَّظِيفَةُ، وَالْكُسْوَةُ الْفَاخِرَةُ، وَأَنْتَ فِي عَافِيَةٍ، حَتَّى طَلَبْتَ الْوِزَارَةَ، ذُقْ مَا عَمِلْتَ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّشَهُّدِ، وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَكَانَ ابْنُ الزَّيَّاتِ صَدِيقًا لِإِبْرَاهِيمَ الصُّولِيِّ، فَلَمَّا وَلِيَ الْوِزَارَةَ، صَادَرَهُ بِأَلْفِ أَلْفٍ وَخَمْسِ مِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الصُّولِيُّ:
وَكُنْتَ أَخِي بِرَخَاءِ الزَّمَانِ ... فَلَمَّا نَبَا صِرْتَ حَرْبًا عَوَانَا
وَكُنْتُ أَذُمُّ إِلَيْكَ الزَّمَانَ ... فَأَصْبَحْتُ مِنْكَ أَذُمُّ الزَّمَانَا
وَكُنْتُ أُعِدُّكَ لِلنَّائِبَاتِ ... فَهَا أَنَا أَطْلُبُ مِنْكَ الْأَمَانَا
وَقَالَ أَيْضًا:
أَصْبَحْتُ مِنْ رَأْيِ أَبِي جَعْفَرٍ ... فِي هَيْئَةٍ تُنْذِرُ بِالصَّيْلَمِ
مِنْ غَيْرِ مَا ذَنْبٍ، وَلَكِنَّهَا ... عَدَاوَةُ الزِّنْدِيقِ لِلْمُسْلِمِ
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ حُبِسَ عُمَرُ بْنُ الْفَرَجِ الرُّخَّجِيُّ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ أَتَاهُ لَمَّا كَانَ أَخُوهُ الْوَاثِقُ سَاخِطًا عَلَيْهِ، وَمَعَهُ صَكٌّ لِيَخْتِمَهُ عُمَرُ لَهُ لِيَقْبِضَ أَرْزَاقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ بِالْخَيْبَةِ، وَأَخَذَ صَكَّهُ، فَرَمَى بِهِ إِلَى صَحْنِ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ حَبْسُهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُخِذَ مَالُهُ، وَأَثَاثُ بَيْتِهِ، وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ صُولِحَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفٍ، عَلَى أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ مَا حِيزَ مِنْ ضِيَاعِ الْأَهْوَازِ (حَسْبُ) ، فَكَانَ قَدْ أُلْبِسَ فِي حَبْسِهِ جُبَّةَ صُوفٍ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ يَهْجُوهُ:
جَمَعْتَ أَمْرَيْنِ ضَاعَ الْحَزْمُ بَيْنَهُمَا
:
تِيهَ الْمُلُوكِ وَأَفْعَالَ الصَّعَالِيكِ ... أَرَدْتَ شُكْرًا بِلَا بِرٍّ وَمَرْزِئَةٍ
لَقَدْ سَلَكْتَ سَبِيلًا غَيْرَ مَسْلُوكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute