فِيهِمْ، فَأَكْثَرَ، وَقَصَدَ سَرْقُوسَةَ وَطَبْرَمِينَ وَغَيْرَهُمَا، فَنَهَبَ، وَخَرَّبَ، وَأَحْرَقَ، وَنَزَلَ عَلَى الْقَصْرِ الْجَدِيدِ وَحَصَرَهُ، وَضَيَّقَ عَلَى مَنْ بِهِ مِنَ الرُّومِ، فَبَذَلُوا لَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفِ دِينَارٍ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ، وَأَطَالَ الْحَصْرَ، فَسَلَّمُوا إِلَيْهِ الْحِصْنَ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُطْلِقَ مِائَتَيْ نَفْسٍ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَمَلَكَهُ، وَبَاعَ كُلَّ مَنْ فِيهِ سِوَى مِائَتَيْ نَفْسٍ، وَهَدَمَ الْحِصْنَ.
ذِكْرُ فَتْحِ قَصْرُيَانَه
فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ مَدِينَةَ قَصْرُيَانَه، وَهِيَ الْمَدِينَةُ الَّتِي بِهَا دَارُ الْمَلِكِ بِصِقِلِّيَّةَ، وَكَانَ الْمَلِكُ قَبْلَهَا يَسْكُنُ سَرْقُوسَةَ، فَلَمَّا مَلَكَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَ الْجَزِيرَةِ تَمَّ نَقْلُ دَارِ الْمَلِكِ إِلَى قَصْرُيَانَه ; لِحَصَانَتِهَا.
وَسَبَبُ فَتْحِهَا أَنَّ الْعَبَّاسَ سَارَ فِي جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَدِينَةِ قَصْرُيَانَه، وَسَرْقُوسَةَ، وَسَيَّرَ جَيْشًا فِي الْبَحْرِ، فَلَقِيَهُمْ أَرْبَعُونَ شَلَنْدِيًّا لِلرُّومِ، فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، فَانْهَزَمَ الرُّومُ، وَأَخَذَ مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَشْرَ شَلَنْدِيَّاتٍ بِرِجَالِهَا، وَعَادَ الْعَبَّاسُ إِلَى مَدِينَتِهِ.
فَلَمَّا كَانَ الشِّتَاءُ سَيَّرَ سَرِيَّةً، فَبَلَغَتْ قَصْرُيَانَه، فَنَهَبُوا، وَخَرَّبُوا، وَعَادُوا وَمَعَهُمْ رَجُلٌ كَانَ لَهُ عِنْدَ الرُّومِ قَدَرٌ وَمَنْزِلَةٌ، فَأَمَرَ الْعَبَّاسُ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ: اسْتَبْقِنِي، وَلَكَ عِنْدِي نَصِيحَةٌ! قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: أُمَلِّكُكَ قَصْرُيَانَه، وَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ فِي هَذَا الشِّتَاءِ وَهَذِهِ الثُّلُوجِ آمِنُونَ مِنْ قَصْدِكُمْ إِلَيْهِمْ، فَهُمْ غَيْرُ مُحْتَرِسِينَ، تُرْسِلُ مَعِي طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِكُمْ حَتَّى أُدْخِلَكُمُ الْمَدِينَةَ.
فَانْتَخَبَ الْعَبَّاسُ أَلْفَيْ فَارِسٍ أَنْجَادٍ، أَبْطَالٍ، وَسَارَ إِلَى أَنْ قَارَبَهَا، وَكَمَنَ هُنَاكَ مُسْتَتِرًا، وَسَيَّرَ عَمَّهُ رَبَاحًا فِي شُجْعَانِهِمْ، فَسَارُوا مُسْتَخْفِينَ فِي اللَّيْلِ، وَالرُّومِيُّ مَعَهُمْ مُقَيَّدٌ بَيْنَ يَدَيْ رَبَاحٍ، فَأَرَاهُمُ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ مِنْهُ، فَنَصَبُوا السَّلَالِيمَ، وَصَعِدُوا الْجَبَلَ، ثُمَّ وَصَلُوا إِلَى سُورِ الْمَدِينَةِ، قَرِيبًا مِنَ الصُّبْحِ، وَالْحَرَسُ نِيَامٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute