للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِيهَا جَعَلَ الْمُتَوَكِّلُ كُلَّ كُورَةٍ شِمْشَاطَ عُشْرِيَّةً، وَكَانَتْ خَرَاجِيَّةً.

ذِكْرُ غَارَاتِ الْبُجَاةِ بِمِصْرَ

وَفِيهَا أَغَارَتِ الْبُجَاةُ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا تَغْزُو بِلَادَ الْإِسْلَامِ لِهُدْنَةٍ قَدِيمَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا مَضَى، وَفِي بِلَادِهِمْ مَعَادِنُ يُقَاسِمُونَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا، وَيُؤَدُّونَ إِلَى عُمَّالِ مِصْرَ نَحْوَ الْخُمْسِ.

فَلَمَّا كَانَتْ أَيَّامُ الْمُتَوَكِّلِ امْتَنَعَتْ عَنْ أَدَاءِ ذَلِكَ، فَكَتَبَ صَاحِبُ الْبَرِيدِ بِمِصْرَ بِخَبَرِهِمْ، وَأَنَّهُمْ قَتَلُوا عِدَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يَعْمَلُ فِي الْمَعَادِنِ، فَهَرَبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَأَنْكَرَ الْمُتَوَكِّلُ ذَلِكَ، فَشَاوَرَ فِي أَمْرِهِمْ، فَذُكِرَ لَهُ أَنَّهُمْ أَهْلُ بَادِيَةٍ، أَصْحَابُ إِبِلٍ وَمَاشِيَةٍ، وَأَنَّ الْوُصُولَ إِلَى بِلَادِهِمْ صَعْبٌ لِأَنَّهَا مَفَاوِزُ، وَبَيْنَ أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَهَا مَسِيرَةَ شَهْرٍ فِي أَرْضٍ قَفْرٍ وَجِبَالٍ وَعِرَةٍ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنَ الْجُيُوشِ يَحْتَاجُ أَنْ يَتَزَوَّدَ لِمُدَّةٍ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ يُقِيمُهَا إِلَى أَنْ يَخْرُجَ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ جَاوَزَ تِلْكَ الْمُدَّةَ هَلَكَ، وَأَخَذَتْهُمُ الْبُجَاةُ بِالْيَدِ، وَأَنَّ أَرْضَهُمْ لَا تَرُدُّ عَلَى سُلْطَانٍ شَيْئًا.

فَأَمْسَكَ الْمُتَوَكِّلُ عَنْهُمْ، فَطَمِعُوا وَزَادَ شَرُّهُمْ حَتَّى خَافَ أَهْلُ الصَّعِيدِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْهُمْ، فَوَلَّى الْمُتَوَكِّلُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيَّ مُحَارَبَتَهُمْ، وَوَلَّاهُ مَعُونَةَ تِلْكَ الْكُورِ، وَهِيَ قُفْطُ، وَالْأَقْصُرُ، وَأَسْنَا وَأَرْمَنْتُ، وَأَسْوَانُ، وَأَمَرَهُ بِمُحَارَبَةِ الْبُجَاةِ، وَكَتَبَ إِلَى عَنْبَسَةَ بْنِ إِسْحَاقَ الضَّبِّيِّ عَامِلِ حَرْبِ مِصْرَ بِإِزَاحَةِ عِلَّتِهِ، وَإِعْطَائِهِ مِنَ الْجُنْدِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ.

وَسَارَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَرْضِ الْبُجَاةِ وَتَبِعَهُ مِمَّنْ يَعْمَلُ فِي الْمَعَادِنِ وَالْمُتَطَوِّعَةُ عَالَمٌ كَثِيرٌ، فَبَلَغَتْ عِدَّتُهُمْ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا بَيْنَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ، وَوَجَّهَ إِلَى الْقُلْزُمِ، فَحَمَّلَ فِي الْبَحْرِ سَبْعَةَ مَرَاكِبَ مَوْقُورَةً بِالدَّقِيقِ، وَالزَّيْتِ، وَالتَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ، وَالسَّوِيقِ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُوَافُوهُ بِهَا فِي سَاحِلِ الْبَحْرِ مِمَّا يَلِي بِلَادَ الْبُجَاةِ، وَسَارَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَعَادِنَ الَّتِي يُعْمَلُ فِيهَا الذَّهَبُ، وَسَارَ إِلَى حُصُونِهِمْ وَقِلَاعِهِمْ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ مَلِكُهُمْ، وَاسْمُهُ عَلِيُّ بَابَا، فِي جَيْشٍ كَثِيرٍ أَضْعَافِ مَنْ مَعَ الْقُمِّيِّ، فَكَانَتِ الْبُجَاةُ عَلَى الْإِبِلِ، وَهِيَ إِبِلٌ فُرَّةٌ تُشْبِهُ الْمَهَارِي، فَتَحَارَبُوا أَيَّامًا وَلَمْ يَصْدُقْهُمْ عَلِيُّ بَابَا الْقِتَالَ لِتَطُولَ الْأَيَّامُ، وَتَفْنَى أَزْوَادُ الْمُسْلِمِينَ وَعَلُوفَاتُهُمْ، فَيَأْخُذَهُمْ بِغَيْرِ حَرْبٍ، فَأَقْبَلَتْ تِلْكَ الْمَرَاكِبُ الَّتِي فِيهَا الْأَقْوَاتُ فِي الْبَحْرِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>