للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مَا لَا يُوصَلُ إِلَى مَعْرِفَةِ صِحَّتِهِ إِلَّا بِخَبَرٍ يَجِيءُ مَجِيءَ الْحُجَّةِ، وَلَا نَعْلَمُ خَبَرًا فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَا وَرَدَ فِي هُبُوطِ آدَمَ بِالْهِنْدِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَدْفَعُ صِحَّتَهُ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أُهْبِطَ آدَمُ عَلَى جَبَلِ نَوْذٍ كَانَتْ رِجْلَاهُ تَمَسَّانِ الْأَرْضَ وَرَأْسُهُ بِالسَّمَاءِ يَسْمَعُ تَسْبِيحَ الْمَلَائِكَةِ، فَكَانَتْ تَهَابُهُ، فَسَأَلَتِ اللَّهَ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ طُولِهِ فَنَقَصَ طُولَهُ إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعًا، فَحَزِنَ آدَمُ لِمَا فَاتَهُ مِنَ الْأُنْسِ بِأَصْوَاتِ الْمَلَائِكَةِ وَتَسْبِيحِهِمْ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، كُنْتُ جَارَكَ فِي دَارِكَ لَيْسَ لِي رَبٌّ غَيْرَكَ أَدْخَلْتَنِي جَنَّتَكَ آكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُ، وَأَسْكُنُ حَيْثُ شِئْتُ، فَأَهْبَطْتَنِي إِلَى الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ فَكُنْتُ أَسْمَعُ أَصْوَاتَ الْمَلَائِكَةِ وَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ، فَحَطَطْتَنِي إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعًا، فَقَدِ انْقَطَعَ عَنِّي الصَّوْتُ، وَالنَّظَرُ، وَذَهَبَتْ عَنِّي رِيحُ الْجَنَّةِ! فَأَجَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بِمَعْصِيَتِكَ يَا آدَمُ فَعَلْتُ بِكَ ذَلِكَ. فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ تَعَالَى عُرْيَ آدَمَ وَحَوَّاءَ أَمَرَهُ أَنْ يَذْبَحَ كَبْشًا مِنَ الضَّأْنِ مِنَ الثَّمَانِيَةِ الْأَزْوَاجِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَخَذَ كَبْشًا، فَذَبَحَهُ، وَأَخَذَ صُوفَهُ. فَغَزَلَتْهُ حَوَّاءُ، وَنَسَجَهُ آدَمُ، فَعَمِلَ لِنَفْسِهِ جُبَّةً، وَلِحَوَّاءَ دِرْعًا، وَخِمَارًا، فَلَبِسَا ذَلِكَ.

وَقِيلَ: أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا مَلَكًا يُعَلِّمُهُمَا مَا يَلْبَسَانِهِ مِنْ جُلُودِ الضَّأْنِ، وَالْأَنْعَامِ.

وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ لِبَاسَ أَوْلَادِهِ، وَأَمَّا هُوَ وَحَوَّاءُ فَكَانَ لِبَاسُهُمَا مَا كَانَا خَصْفًا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى آدَمَ: إِنَّ لِي حَرَمًا حِيَالَ عَرْشِي فَانْطَلِقْ، وَابْنِ لِي بَيْتًا فِيهِ، ثُمَّ حُفَّ بِهِ كَمَا رَأَيْتَ مَلَائِكَتِي يَحُفُّونَ بِعَرْشِي، فَهُنَالِكَ أَسْتَجِيبُ لَكَ، وَلِوَلَدِكَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي طَاعَتِي. فَقَالَ آدَمُ يَا رَبِّ، وَكَيْفَ لِي بِذَلِكَ! لَسْتُ أَقْوَى عَلَيْهِ وَلَا أَهْتَدِي إِلَيْهِ. فَقَيَّضَ اللَّهُ مَلَكًا فَانْطَلَقَ بِهِ نَحْوَ مَكَّةَ، وَكَانَ آدَمُ إِذَا مَرَّ بِرَوْضَةٍ قَالَ لِلْمَلَكِ: انْزِلْ بِنَا هَهُنَا. فَيَقُولُ الْمَلَكُ: مَكَانَكَ، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَكَانَ كُلُّ مَكَانٍ نَزَلَهُ آدَمُ عُمْرَانًا، وَمَا عَدَاهُ مَفَاوِزَ. فَبَنَى الْبَيْتَ مِنْ خَمْسَةِ أَجْبُلٍ: مِنْ طُورِ سِينَا، وَطُورِ زَيْتُونٍ، وَلُبْنَانَ، وَالْجُودِيِّ، وَبَنَى قَوَاعِدَهُ مِنْ حِرَاءٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَائِهِ خَرَجَ بِهِ الْمَلَكُ إِلَى عَرَفَاتٍ، فَأَرَاهُ الْمَنَاسِكَ الَّتِي يَفَعَلُهَا النَّاسُ الْيَوْمَ، ثُمَّ قَدِمَ بِهِ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْهِنْدِ فَمَاتَ عَلَى نَوْذٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>