وَكَانَ مَلِكُ الْعَرَبِ بِأَرْضِ الْجَزِيرَةِ وَمَشَارِفِ الشَّامِ عَمْرَو بْنَ الظَّرِبِ بْنِ حَسَّانَ بْنِ أُذَيْنَةَ الْعِمْلِيقِيَّ مِنْ عَامِلَةِ الْعَمَالِقَةِ، فَتَحَارَبَ هُوَ وَجَذِيمَةُ، فَقُتِلَ عَمْرٌو وَانْهَزَمَتْ عَسَاكِرُهُ، وَعَادَ جَذِيمَةُ سَالِمًا.
وَمَلَكَتْ بَعْدَ عَمْرٍو ابْنَتُهُ الزَّبَّاءُ، وَاسْمُهَا نَائِلَةُ، وَكَانَ جُنُودُ الزَّبَّاءِ بَقَايَا الْعَمَالِيقِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ لَهَا مِنَ الْفُرَاتِ إِلَى تَدْمُرَ. فَلَمَّا اسْتَجْمَعَ لَهَا أَمْرُهَا وَاسْتَحْكَمَ مُلْكُهَا اجْتَمَعَتْ لِغَزْوِ جَذِيمَةَ تَطْلُبُ بِثَأْرِ أَبِيهَا، فَقَالَتْ لَهَا أُخْتُهَا رَبِيبَةُ، وَكَانَتْ عَاقِلَةً: إِنْ غَزَوْتِ جَذِيمَةَ فَإِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، وَأَشَارَتْ بِتَرْكِ الْحَرْبِ وَإِعْمَالِ الْحِيلَةِ. فَأَجَابَتْهَا إِلَى ذَلِكَ، وَكَتَبَتْ إِلَى جَذِيمَةَ تَدْعُوهُ إِلَى نَفْسِهَا وَمُلْكِهَا، وَكَتَبَتْ إِلَيْهِ أَنَّهَا لَمْ تَجِدْ مُلْكَ النِّسَاءِ إِلَّا قُبْحًا فِي السَّمَاعِ وَضَعْفًا فِي السُّلْطَانِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَجِدْ لِمُلْكِهَا وَلَا لِنَفْسِهَا كُفُوًا غَيْرَهُ.
فَلَمَّا انْتَهَى كِتَابُ الزَّبَّاءِ إِلَيْهِ اسْتَخَفَّ مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ وَجَمَعَ إِلَيْهِ ثِقَاتِهِ، وَهُوَ بِبَقِيَّةٍ مِنْ شَاطِئِ الْفُرَاتِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ وَاسْتَشَارَهُمْ، فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهَا وَيَسْتَوْلِيَ عَلَى مُلْكِهَا.
وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ قَصِيرُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ لَخْمٍ، وَكَانَ سَعْدٌ تَزَوَّجَ أَمَةً لِجَذِيمَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ قَصِيرًا، وَكَانَ أَرِيبًا حَازِمًا نَاصِحًا لِجَذِيمَةَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَخَالَفَهُمْ فِيمَا أَشَارُوا بِهِ عَلَيْهِ وَقَالَ: رَأْيٌ فَاتِرٌ، وَغَدْرٌ حَاضِرٌ، فَذَهَبَتْ مَثَلًا، وَقَالَ لِجَذِيمَةَ: اكْتُبْهَا إِلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ صَادِقَةً فَلْتُقْبِلْ إِلَيْكَ وَإِلَّا لَمْ تُمَكِّنْهَا مِنْ نَفْسِكَ وَقَدْ وَتَرْتَهَا وَقَتَلْتَ أَبَاهَا.
فَلَمْ يُوَافِقْ جَذِيمَةُ مَا أَشَارَ بِهِ قَصِيرٌ وَقَالَ لَهُ: لَا وَلَكِنَّكَ امْرُؤٌ رَأْيُكَ فِي الْكَنِّ لَا فِي الضَّحِّ، فَذَهَبَتْ مَثَلًا.
وَدَعَا جَذِيمَةُ ابْنَ أُخْتِهِ عَمْرَو بْنَ عَدِيٍّ فَاسْتَشَارَهُ، فَشَجَّعَهُ عَلَى الْمَسِيرِ وَقَالَ: إِنَّ نُمَارَةَ قَوْمِي مَعَ الزَّبَّاءِ فَلَوْ رَأَوْكَ صَارُوا مَعَكَ، فَأَطَاعَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute