للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ قَصِيرٌ: لَا يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ. وَقَالَتِ الْعَرَبُ: بِبَقَّةَ أُبْرِمَ الْأَمْرُ فَذَهَبَتَا مَثَلًا.

وَاسْتَخْلَفَ جَذِيمَةُ عَمْرَو بْنَ عَدِيٍّ عَلَى مُلْكِهِ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْجِنِّ عَلَى خُيُولِهِ مَعَهُ، وَسَارَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ الْفُرْضَةَ قَالَ لِقَصِيرٍ: مَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: بِبَقَّةَ تَرَكْتُ الرَّأْيَ، فَذَهَبَتْ مَثَلًا.

وَاسْتَقْبَلَهُ رُسُلُ الزَّبَّاءِ بِالْهَدَايَا وَالْأَلْطَافِ، فَقَالَ: يَا قَصِيرُ كَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: خَطَرٌ يَسِيرٌ، وَخَطْبٌ كَبِيرٌ، فَذَهَبَتْ مَثَلًا، وَسَتَلْقَاكَ الْخُيُولُ، فَإِنْ سَارَتْ أَمَامَكَ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ صَادِقَةٌ، وَإِنْ أَخَذَتْ جَنْبَيْكَ وَأَحَاطَتْ بِكَ فَإِنَّ الْقَوْمَ غَادِرُونَ، فَارْكَبِ الْعَصَا، وَكَانَتْ فَرَسًا لِجَذِيمَةَ لَا تُجَارَى، فَإِنِّي رَاكِبُهَا وَمُسَايِرُكَ عَلَيْهَا.

فَلَقِيَتْهُ الْكَتَائِبُ فَحَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَصَا، فَرَكِبَهَا قَصِيرٌ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ جَذِيمَةُ مُوَلِّيًا عَلَى مَتْنِهَا، فَقَالَ: " وَيْلَ أُمِّهِ حَزْمًا عَلَى مَتْنِ الْعَصَا! " فَذَهَبَتْ مَثَلًا. وَقَالَ: " يَا ضَلَّ مَنْ تَجْرِي بِهِ الْعَصَا " وَجَرَتْ بِهِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، ثُمَّ نَفَقَتْ وَقَدْ قَطَعَتْ أَرْضًا بَعِيدَةً، فَبَنَى عَلَيْهَا بُرْجًا يُقَالُ لَهُ بُرْجُ الْعَصَا، مَثَلٌ تَضْرِبُهُ.

وَقَالَتِ الْعَرَبُ: " خَيْرُ مَا جَاءَتْ بِهِ الْعَصَا ". مَثَلٌ تَضْرِبُهُ.

وَسَارَ جَذِيمَةُ وَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ الْخُيُولُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى الزَّبَّاءِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ تَكَشَّفَتْ، فَإِذَا هِيَ مَضْفُورَةُ الْإِسْبِ، وَالْإِسْبُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ هُوَ شَعْرُ الْإِسْتِ، وَقَالَتْ لَهُ: " يَا جَذِيمَةُ أَدْأَبُ عَرُوسٍ تَرَى؟ " فَذَهَبَتْ مَثَلًا. فَقَالَ: " بَلَغَ الْمَدَى، وَجَفَّ الثَّرَى، وَأَمْرُ غَدْرٍ أَرَى " فَذَهَبَتْ مَثَلًا. فَقَالَتْ لَهُ: " أَمَا وَإِلَهِي مَا بِنَا مِنْ عَدَمِ مُوَاسٍ، وَلَا قِلَّةِ أُوَاسٍ، وَلَكِنَّهَا شِيمَةٌ مِنْ أُنَاسٍ ". فَذَهَبَتْ مَثَلًا. وَقَالَتْ لَهُ: أُنْبِئْتُ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>