دِمَاءَ الْمُلُوكِ شِفَاءٌ مِنَ الْكَلْبِ. ثُمَّ أَجْلَسَتْهُ عَلَى نِطْعٍ، وَأَمَرَتْ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَأُعِدَّ لَهُ، وَسَقَتْهُ الْخَمْرَ حَتَّى أَخَذَتْ مِنْهُ مَأْخَذَهَا ثُمَّ أَمَرَتْ بِرَاهِشَيْهِ فَقُطِعَا، وَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ الطَّسْتَ، وَقَدْ قِيلَ لَهَا: إِنْ قَطَرَ مِنْ دَمِهِ شَيْءٌ فِي غَيْرِ الطَّسْتِ طُلِبَ بِدَمِهِ. وَكَانَتِ الْمُلُوكُ لَا تَقْتُلُ بِضَرْبِ الرَّقَبَةِ إِلَّا فِي قِتَالٍ تَكْرِمَةً لِلْمُلْكِ. فَلَمَّا ضَعُفَتْ يَدَاهُ سَقَطَتَا، فَقُطِرَ مِنْ دَمِهِ فِي غَيْرِ الطَّسْتِ، فَقَالَتْ: لَا تُضَيِّعُوا دَمَ الْمَلِكِ! فَقَالَ جَذِيمَةُ: " دَعُوا دَمًا ضَيَّعَهُ أَهْلُهُ ". فَذَهَبَتْ مَثَلًا.
فَهَلَكَ جَذِيمَةُ، وَخَرَجَ قَصِيرٌ مِنَ الْحَيِّ الَّذِينَ هَلَكَتِ الْعَصَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، حَتَّى قِدَمَ عَلَى عَمْرِو بْنِ عَدِيٍّ، وَهُوَ بِالْحِيرَةِ، فَوَجَدَهُ قَدِ اخْتَلَفَ هُوَ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْجِنِّ فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا، وَأَطَاعَ النَّاسُ عَمْرَو بْنَ عَدِيٍّ، وَقَالَ لَهُ قَصِيرٌ: تَهَيَّأْ وَاسْتَعِدَّ وَلَا تُطِلْ دَمَ خَالِكَ. فَقَالَ: " كَيْفَ لِي بِهَا وَهِيَ أَمْنَعُ مِنْ عُقَابِ الْجَوِّ؟ " فَذَهَبَتْ مَثَلًا.
وَكَانَتِ الزَّبَّاءُ سَأَلَتْ كَهَنَةً عَنْ أَمْرِهَا وَهَلَاكِهَا، فَقَالُوا لَهَا: نَرَى هَلَاكَكِ بِسَبَبِ عَمْرِو بْنِ عَدِيٍّ، وَلَكِنَّ حَتْفَكِ بِيَدِكِ، فَحَذِرَتْ عَمْرًا وَاتَّخَذَتْ نَفَقًا مِنْ مَجْلِسِهَا إِلَى حِصْنٍ لَهَا دَاخِلَ مَدِينَتِهَا، ثُمَّ قَالَتْ: إِنْ فَجَأَنِي أَمْرٌ دَخَلْتُ النَّفَقَ إِلَى حِصْنِي، وَدَعَتْ رَجُلًا مُصَوِّرًا حَاذِقًا، فَأَرْسَلَتْهُ إِلَى عَمْرِو بْنِ عَدِيٍّ مُتَنَكِّرًا وَقَالَتْ لَهُ: صَوِّرْهُ جَالِسًا وَقَائِمًا وَمُتَفَضِّلًا وَمُتَنَكِّرًا وَمُتَسَلِّحًا بِهَيْئَتِهِ وَلُبْسِهِ وَلَوْنِهِ ثُمَّ أَقْبِلْ إِلَيَّ. فَفَعَلَ الْمُصَوِّرُ مَا أَوْصَتْهُ الزَّبَّاءُ وَعَادَ إِلَيْهَا، وَأَرَادَتْ أَنْ تَعْرِفَ عَمْرَو بْنَ عَدِيٍّ فَلَا تَرَاهُ عَلَى حَالٍ إِلَّا عَرَفَتْهُ وَحَذِرَتْهُ.
وَقَالَ قَصِيرٌ لِعَمْرٍو: اجْدَعْ أَنْفِي وَاضْرِبْ ظَهْرِي وَدَعْنِي وَإِيَّاهَا. فَقَالَ عَمْرٌو: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ. فَقَالَ قَصِيرٌ: " خَلِّ عَنِّي إِذًا وَخَلَاكَ ذَمٌّ "، فَذَهَبَتْ مَثَلًا. فَقَالَ عَمْرٌو: فَأَنْتَ أَبْصَرُ، فَجَدَعَ قَصِيرٌ أَنْفَهُ وَدَقَّ بِظَهْرِهِ وَخَرَجَ كَأَنَّهُ هَارِبٌ، وَأَظْهَرَ أَنَّ عَمْرًا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ، وَسَارَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى الزَّبَّاءِ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّ قَصِيرًا بِالْبَابِ، فَأَمَرَتْ بِهِ فَأُدْخِلَ عَلَيْهَا، فَإِذَا أَنْفُهُ قَدْ جُدِعَ وَظَهْرُهُ قَدْ ضُرِبَ، فَقَالَتْ: " لِأَمْرٍ مَا جَدَعَ قَصِيرٌ أَنْفَهُ "، فَذَهَبَتْ مَثَلًا. قَالَتْ: مَا الَّذِي أَرَى بِكَ يَا قَصِيرُ؟ قَالَ: زَعَمَ عَمْرٌو أَنِّي غَدَرْتُ خَالَهُ وَزَيَّنْتُ لَهُ الْمَسِيرَ إِلَيْكِ وَمَالَأْتُكِ عَلَيْهِ ; فَفَعَلَ بِي مَا تَرَيْنَ فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكِ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَا أَكُونُ مَعَ أَحَدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute