وَاسْتَقْبَلَهُ بِيَدِهِ، فَضَرَبَهَا، فَأَبَانَهَا، وَشَارَكَهُ بَاغِرُ، فَقَالَ الْفَتْحُ: وَيْلَكُمُ! أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. . . وَرَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى الْمُتَوَكِّلِ، فَبَعَجُوهُ بِسُيُوفِهِمْ، فَصَاحَ: الْمَوْتُ! وَتَنَحَّى، فَقَتَلُوهُ.
وَكَانُوا قَالُوا لِوَصِيفٍ لِيَحْضُرَ مَعَهُمْ، وَقَالُوا: إِنَّا نَخَافُ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: أَرْسِلْ مَعَنَا بَعْضَ وَلَدِكَ، فَأَرْسَلَ مَعَهُمْ خَمْسَةً مِنْ وَلَدِهِ: صَالِحًا، وَأَحْمَدَ، وَعَبْدَ اللَّهِ، وَنَصْرًا، وَعُبَيْدَ اللَّهِ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا دَخَلُوا نَظَرَ إِلَيْهِمْ عَثْعَثُ، فَقَالَ لِلْمُتَوَكِّلِ: قَدْ فَرَغْنَا مِنَ الْأَسَدِ، وَالْحَيَّاتِ، وَالْعَقَارِبِ، وَصِرْنَا إِلَى السُّيُوفِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا أَسْلَى الْحَيَّةَ، وَالْعَقْرَبَ، وَالْأَسَدَ، فَلَمَّا ذَكَرَ عَثْعَثُ السُّيُوفَ قَالَ: يَا وَيْلَكَ! أَيُّ سُيُوفٍ؟ فَمَا اسْتَتَمَّ كَلَامَهُ حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِ وَقَتَلُوهُ، وَقَتَلُوا الْفَتْحَ، وَخَرَجُوا إِلَى الْمُنْتَصِرِ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ، وَقَالُوا: مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَامُوا عَلَى رَأْسِ زَرَافَةَ بِالسُّيُوفِ، وَقَالُوا: بَايِعْ، فَبَايَعَ.
وَأَرْسَلَ الْمُنْتَصِرُ إِلَى وَصِيفٍ: إِنَّ الْفَتْحَ قَدْ قَتَلَ أَبِي فَقَتَلْتُهُ، فَاحْضُرْ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِكَ! فَحَضَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَبَايَعُوا. وَكَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى فِي حُجْرَتِهِ يُنَفِّذُ الْأُمُورَ وَلَا يَعْلَمُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ جَعْفَرُ بْنُ حَامِدٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْخَدَمِ، فَقَالَ: مَا يَحْبِسُكَ وَالدَّارُ سَيْفٌ وَاحِدٌ؟ فَأَمَرَ جَعْفَرًا بِالنَّظَرِ، فَخَرَجَ، وَعَادَ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ وَالْفَتْحَ قُتِلَا، فَخَرَجَ فَيَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ خَدَمِهِ وَخَاصَّتِهِ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَبْوَابَ مُغْلَقَةٌ، وَأَخَذَ نَحْوَ الشَّطِّ، فَإِذَا أَبْوَابُهُ مُغْلَقَةٌ، فَأَمَرَ بِكَسْرِ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ، وَخَرَجَ إِلَى الشَّطِّ، وَرَكِبَ فِي زَوْرَقٍ، فَأَتَى مَنْزِلَ الْمُعْتَزِّ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَلَمْ يُصَادِفْهُ، فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، قَتَلَ نَفْسَهُ وَقَتَلَنِي.
وَاجْتَمَعَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ أَصْحَابُهُ غَدَاةَ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، مِنَ الْأَبْنَاءِ، وَالْعَجَمِ، وَالْأَمْنِ وَالزَّوَاقِيلِ، وَغَيْرِهِمْ، فَكَانُوا زُهَاءَ عَشَرَةِ آلَافٍ، وَقِيلَ: كَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ خَمْسَةِ آلَافٍ إِلَى عَشَرَةِ آلَافٍ، فَقَالُوا: مَا اصْطَنَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا الْيَوْمِ، فَمُرْنَا بِأَمْرِكَ، وَائِذَنْ لَنَا أَنْ نُمِلَّ عَلَى الْقَوْمِ، وَنَقْتُلَ الْمُنْتَصِرَ وَمَنْ مَعَهُ! فَأَبَى ذَلِكَ، وَقَالَ: الْمُعْتَزُّ فِي أَيْدِيهِمْ.
وَذُكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الْمُنَجِّمِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى الْمُتَوَكِّلِ، قَبْلَ قَتْلِهِ بِأَيَّامٍ، كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الْمَلَاحِمِ، فَوَقَفْتُ عَلَى مَوْضِعٍ فِيهِ أَنَّ الْخَلِيفَةَ الْعَاشِرَ يُقْتَلُ فِي مَجْلِسِهِ، فَتَوَقَّفْتُ عَنْ قِرَاءَتِهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: خَيْرًا! قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَقْرَأَهُ، فَقَرَأْتُهُ، وَحَدَّثَ عَنْ ذِكْرِ الْخُلَفَاءِ، فَقَالَ: لَيْتَ شِعْرِي مَنْ هَذَا الشَّقِيُّ الْمَقْتُولُ؟ فَقَالَ أَبُو الْوَارِثِ، قَاضِي نَصِيبِينَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ آتِيًا وَهُوَ يَقُولُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute