لِقِيَامِهِ، وَإِذَا رَكِبَ أَخَذَ بِرِكَابِهِ، وَسَوَّى عَلَيْهِ ثِيَابَهُ فِي سَرْجِهِ.
وَكَانَ اتَّصَلَ بِنَا الْخَبَرُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ يَحْيَى قَدْ أَعَدَّ قَوْمًا فِي طَرِيقِ الْمُنْتَصِرِ، لِيَغْتَالُوهُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ، وَكَانَ الْمُتَوَكِّلُ قَدْ أَسْمَعَهُ، وَأَحْفَظَهُ، وَوَثَبَ عَلَيْهِ، وَانْصَرَفَ غَضْبَانَ، وَانْصَرَفْنَا مَعَهُ إِلَى دَارِهِ، وَكَانَ وَاعَدَ الْأَتْرَاكَ عَلَى قَتْلِ الْمُتَوَكِّلِ إِذَا ثَمِلَ مِنَ النَّبِيذِ، قَالَ: فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ جَاءَنِي رَسُولُهُ أَنِ احْضُرْ، فَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْأَمِيرِ لِيَرْكَبَ. قَالَ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مَا كُنَّا سَمِعْنَا مِنِ اغْتِيَالِ الْمُنْتَصِرِ، فَرَكِبْتُ فِي سِلَاحٍ وَعِدَّةٍ، وَجِئْتُ بَابَ الْمُنْتَصِرِ، فَإِذَا هُمْ يَمُوجُونَ، وَإِذَا وَاجِنٌ قَدْ جَاءَهُ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ قَدْ فَرَغُوا مِنَ الْمُتَوَكِّلِ، فَرَكِبَ، فَلَحِقْتُهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَأَنَا مَرْعُوبٌ، فَرَأَى مَا بِي، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ شَرِقَ بِقَدَحٍ شَرِبَهُ فَمَاتَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
فَشَقَّ عَلَيَّ، وَمَضَيْنَا وَمَعَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْخَصِيبِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْقُوَّادِ حَتَّى دَخَلْنَا الْقَصْرَ، وَوَكَّلَ بِالْأَبْوَابِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَا يَنْبَغِي أَنْ تُفَارِقَكَ مَوَالِيكَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، قَالَ: أَجَلْ، وَكُنْ أَنْتَ خَلْفَ ظَهْرِي، فَأَحَطْنَا بِهِ، وَبَايَعَهُ مَنْ حَضَرَ، وَكُلُّ مَنْ جَاءَ يُوقَفُ، (حَتَّى جَاءَ سَعِيدٌ الْكَبِيرُ، فَأَرْسَلَهُ خَلْفَ الْمُؤَيَّدِ، وَقَالَ لِي: امْضِ أَنْتَ إِلَى الْمُعْتَزِّ) حَتَّى يَحْضُرَ، فَأَرْسَلَنِي، فَمَضَيْتُ وَأَنَا آيِسٌ مِنْ نَفْسِي، وَمَعِي غُلَامَانِ لِي، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى بَابِ الْمُعْتَزِّ لَمْ أَجِدْ بِهِ أَحَدًا مِنَ الْحَرَسِ وَالْبَوَّابِينَ، فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ الْكَبِيرِ، فَدَقَقْتُهُ دَقًّا عَنِيفًا، فَأُجِبْتُ بَعْدَ مُدَّةٍ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: رَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (الْمُنْتَصِرِ) ، فَمَضَى الرَّسُولُ، وَأَبْطَأَ، وَخِفْتُ، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ، ثُمَّ فُتِحَ الْبَابُ، وَخَرَجَ (بَيْدُونُ) الْخَادِمُ، وَأَغْلَقَ الْبَابَ، ثُمَّ سَأَلَنِي عَنِ الْخَبَرِ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ شَرِقَ بِكَأْسٍ شَرِبَهُ، فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَأَنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا، وَبَايَعُوا الْمُنْتَصِرَ، وَقَدْ أَرْسَلَنِي لِأُحْضِرَ الْأَمِيرَ الْمُعْتَزَّ لِيُبَايِعَ.
فَدَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَدْخَلَنِي عَلَى الْمُعْتَزِّ، فَقَالَ لِي: وَيْلَكَ مَا الْخَبَرُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، وَعَزَّيْتُهُ، وَبَكَيْتُ، وَقُلْتُ: تَحْضُرُ، وَتَكُونُ فِي أَوَّلِ مَنْ يُبَايِعُ، وَتَأْخُذُ بِقَلْبِ أَخِيكَ، فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute