وَدُونَكُمُ طِيبُ النِّسَاءِ فَإِنَّمَا خُلِقْتُمْ
لِأَثْوَابِ الْعَرُوسِ وَلِلْغُسْلِ ... فَبُعْدًا وَسُحْقًا لِلَّذِي لَيْسَ دَافِعًا
وَيَخْتَالُ يَمْشِي بَيْنَنَا مِشْيَةَ الْفَحْلِ
فَلَمَّا سَمِعَ أَخُوهَا الْأَسْوَدُ قَوْلَهَا، وَكَانَ سَيِّدًا مُطَاعًا، قَالَ لِقَوْمِهِ: يَا مَعْشَرَ جَدِيسٍ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَيْسُوا بِأَعَزَّ مِنْكُمْ فِي دَارِكُمْ إِلَّا بِمُلْكِ صَاحِبِهِمْ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ، وَلَوْلَا عَجْزُنَا لَمَا كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْنَا، وَلَوِ امْتَنَعْنَا لَانْتَصَفْنَا مِنْهُ، فَأَطِيعُونِي فِيمَا آمُرُكُمْ فَإِنَّهُ عِزُّ الدَّهْرِ.
وَقَدْ حَمِيَ جَدِيسٌ لِمَا سَمِعُوا مِنْ قَوْلِهَا فَقَالُوا: نُطِيعُكَ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ أَكْثَرُ مِنَّا! قَالَ: فَإِنِّي أَصْنَعُ لِلْمَلِكِ طَعَامًا وَأَدْعُوهُ وَأَهْلَهُ إِلَيْهِ، فَإِذَا جَاءُوا يَرْفُلُونَ فِي الْحُلَلِ أَخَذْنَا سُيُوفَنَا وَقَتَلْنَاهُمْ. فَقَالُوا: افْعَلْ. فَصَنَعَ طَعَامًا فَأَكْثَرَ وَجَعَلَهُ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ وَدَفَنَ هُوَ وَقَوْمُهُ سُيُوفَهُمْ فِي الرَّمْلِ وَدَعَا الْمَلِكَ وَقَوْمَهُ، فَجَاءُوا يَرْفُلُونَ فِي حُلَلِهِمْ، فَلَمَّا أَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ وَمَدُّوا أَيْدِيَهُمْ يَأْكُلُونَ، أَخَذَتْ جَدِيسٌ سُيُوفَهُمْ مِنَ الرَّمْلِ وَقَتَلُوهُمْ وَقَتَلُوا مَلِكَهُمْ وَقَتَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ السَّفَلَةَ.
ثُمَّ إِنَّ بَقِيَّةَ طَسْمٍ قَصَدُوا حَسَّانَ بْنَ تُبَّعٍ مَلِكَ الْيَمَنِ فَاسْتَنْصَرُوهُ، فَسَارَ إِلَى الْيَمَامَةِ، فَلَمَّا كَانَ مِنْهَا عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ قَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: إِنَّ لِي أُخْتًا مُتَزَوِّجَةً مِنْ جَدِيسٍ يُقَالُ لَهَا الْيَمَامَةُ تُبْصِرُ الرَّاكِبَ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تُنْذِرَ الْقَوْمَ بِكَ، فَمُرْ أَصْحَابَكَ فَلْيَقْطَعْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ شَجَرَةً فَلْيَجْعَلْهَا أَمَامَهُ.
فَأَمَرَهُمْ حَسَّانُ بِذَلِكَ، فَنَظَرَتِ الْيَمَامَةُ فَأَبْصَرَتْهُمْ فَقَالَتْ لِجَدِيسٍ: لَقَدْ سَارَتْ إِلَيْكُمْ حِمْيَرُ. قَالُوا: وَمَا تَرَيْنِ؟ قَالَتْ: أَرَى رَجُلًا فِي شَجَرَةٍ مَعَهُ كَتِفٌ يَتَعَرَّقُهَا أَوْ نَعْلٌ يَخْصِفُهَا، وَكَانَ كَذَلِكَ، فَكَذَّبُوهَا، فَصَبَّحَهُمْ حَسَّانُ فَأَبَادَهُمْ، وَأُتِيَ حَسَّانُ بِالْيَمَامَةِ فَفَقَأَ عَيْنَهَا، فَإِذَا فِيهَا عُرُوقٌ سُودٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: حَجَرٌ أَسْوَدُ كُنْتُ أَكْتَحِلُ بِهِ يُقَالُ لَهُ الْإِثْمِدُ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنِ اكْتَحَلَ بِهِ. وَبِهَذِهِ الْيَمَامَةِ سُمِّيَتِ الْيَمَامَةُ، وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ ذِكْرَهَا فِي أَشْعَارِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute