للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَكَرَ رَيْحَانُ أَحَدُ غِلْمَانِ السُّورَجِيِّينَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَحِبَهُ مِنْهُمْ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مُوَكَّلًا بِغِلْمَانِ مَوْلَايَ أَنْقُلُ لَهُمُ الدَّقِيقَ، فَأَخَذَنِي أَصْحَابُهُ، فَسَارُوا بِي إِلَيْهِ، وَأَمَرُونِي أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِ بِالْإِمْرَةِ، فَفَعَلْتُ، فَسَأَلَنِي عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي جِئْتُ مِنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي عَنْ أَخْبَارِ الْبَصْرَةِ، فَقُلْتُ: لَا عِلْمَ لِي ; وَسَأَلَنِي عَنْ غِلْمَانِ السُّرْجِيِّينَ، وَعَنْ أَحْوَالِهِمْ، وَمَا يَجْرِي لَهُمْ، فَأَعْلَمْتُهُ، فَدَعَانِي إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: احْتَلْ فِيمَنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنَ الْغِلْمَانِ، وَأَقْبِلْ بِهِمْ إِلَيَّ، وَوَعَدَنِي أَنْ يَقُودَنِي عَلَى مَنْ آتِيهِ بِهِ، وَاسْتَحْلَفَنِي أَنْ لَا أُعْلِمَ أَحَدًا بِمَوْضِعِهِ، وَأَنْ أَرْجِعَ إِلَيْهِ، وَخَلَّى سَبِيلِي.

وَعُدْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدَاةِ، وَقَدْ أَتَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ غِلْمَانِ الدَّبَّاسِينَ، فَكَتَبَ فِي حَرِيرَةٍ: " {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: ١١١] الْآيَةَ ; وَجَعَلَهَا فِي رَأْسِ مُرْدِيٍّ، وَمَا زَالَ يَدْعُو غِلْمَانَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَيُقْبِلُونَ إِلَيْهِ لِلْخَلَاصِ مِنَ الرِّقِّ وَالتَّعَبِ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَخَطَبَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ أَنْ يَقُودَهُمْ وَيُمَلِّكَهُمُ الْأَمْوَالَ، وَحَلَفَ لَهُمْ بِالْأَيْمَانِ أَنْ لَا يَغْدِرَ بِهِمْ، وَلَا يَخْذُلَهُمْ، وَلَا يَدَعُ شَيْئًا مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَّا أَتَى بِهِ إِلَيْهِمْ، فَأَتَاهُ مَوَالِيهِمْ، وَبَذَلُوا لَهُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِيُسْلِمَ إِلَيْهِ عَبْدَهُ، فَبَطَحَ أَصْحَابَهُمْ، وَأَمَرَ كُلَّ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَبِيدِ، فَضَرَبُوا مَوَالِيَهُمْ، أَوْ وَكِيلَهُمْ، كُلَّ سَيِّدٍ خَمْسَمِائَةِ سَوْطٍ، ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ فَمَضَوْا نَحْوَ الْبَصْرَةِ.

ثُمَّ رَكِبَ فِي سُفُنٍ هُنَاكَ، فَعَبَرَ دُجَيْلًا إِلَى نَهْرِ مَيْمُونٍ، فَأَقَامَ هُنَاكَ، وَلَمْ يَزَلْ هَذَا دَأْبُهُ يَتَجَمَّعُ إِلَيْهِ السُّودَانُ إِلَى يَوْمِ الْفِطْرِ، فَخَطَبَهُمْ، وَصَلَّى بِهِمْ، وَذَكَّرَهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْحَالِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْعَدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَرْفَعَ أَقْدَارَهُمْ، وَيُمَلِّكَهُمُ الْعَبِيدَ وَالْأَمْوَالَ.

فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ رَأَى أَصْحَابُهُ الْحُمَيْرِيَّ، فَقَاتَلُوهُ حَتَّى أَخْرَجُوهُ مِنْ دِجْلَةَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>