هُوَ فِي يَدِهِ، وَأَنْ يَظْهَرَ صَالِحُ بْنُ وَصِيفٍ، وَيُوضَعَ لَهُمُ الْعَطَاءُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ قَوْمٌ: قَدْ رَضِيَنَا ; وَقَالَ قَوْمٌ: لَمْ نَرْضَ ; فَانْصَرَفَ أَبُو الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ بُغَا عَلَى ذَلِكَ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى الْكَرْخِ، وَالدُّورِ وَسَامَرَّا.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَكِبَ بَنُو وَصِيفٍ فِي جَمَاعَةٍ مَعَهُمْ، وَتَنَادَوْا: السِّلَاحَ، وَنَهَبُوا دَوَابَّ الْعَامَّةِ، وَعَسْكَرُوا بِسَامَرَّا، وَتَعَلَّقُوا بِأَبِي الْقَاسِمِ، وَقَالُوا: نُرِيدُ صَالِحًا! وَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُهْتَدِيَ، فَقَالَ لِمُوسَى: يَطْلُبُونَ صَالِحًا مِنِّي كَأَنِّي أَنَا أَخْفَيْتُهُ، إِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُظْهِرُوهُ.
ثُمَّ رَكِبَ مُوسَى، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْقُوَّادِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَبَلَغَ عَسْكَرُهُ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ، وَعَسْكَرُوا، وَتَفَرَّقَ الْأَتْرَاكُ وَمَنْ مَعَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْكَرْخِيِّينَ وَلَا لِلدُّورِيِّينَ فِي هَذَا الْيَوْمِ حَرَكَةٌ، وَجَدَّ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ فِي طَلَبِ ابْنِ وَصِيفٍ، وَاتَّهَمُوا جَمَاعَةً بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ غُلَامًا دَخَلَ دَارًا وَطَلَبَ مَاءً لِيَشْرَبَهُ، فَسَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ تَنَحَّ، فَإِنَّ غُلَامًا يَطْلُبُ مَاءً، فَسَمِعَ الْغُلَامُ الْكَلَامَ، فَجَاءَ إِلَى عَيَّارٍ فَأَخْبَرَهُ، فَأَخَذَ مَعَهُ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ، وَجَاءَ إِلَى صَالِحٍ، وَبِيَدِهِ مِرْآةٌ وَمُشْطٌ، وَهُوَ يُسَرِّحُ لِحْيَتَهُ، فَأَخَذَهُ، فَتَضَرَّعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: لَا يُمْكِنُنِي تَرْكُكَ وَلَكِنِّي أَمُرُّ بِكَ عَلَى دِيَارِ أَهْلِكَ وَقُوَّادِكَ، وَأَصْحَابِكَ، فَإِنِ اعْتَرَضَكَ مِنْهُمُ اثْنَانِ أَطْلَقْتُكَ.
فَأُخْرِجَ حَافِيًا لَيْسَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، وَالْعَامَّةُ تَعْدُو خَلْفَهُ، وَهُوَ عَلَى بِرْذَوْنٍ بِأُكَافٍ، فَأَتَوْا بِهِ نَحْوَ الْجَوْسَقِ، فَضَرَبَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ مُوسَى عَلَى عَاتِقِهِ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا رَأْسَهُ، وَتَرَكُوا جُثَّتَهُ، وَوَافَوْا بِهِ دَارَ الْمُهْتَدِي قَبْلَ الْمَغْرِبِ، فَقَالُوا لَهُ فِي ذَلِكَ: فَقَالَ وَارُوهُ، ثُمَّ حُمِلَ رَأْسُهُ وَطِيفَ بِهِ عَلَى قَنَاةٍ، وَنُودِيَ عَلَيْهِ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ قَتَلَ مَوْلَاهُ.
وَلَمَّا قُتِلَ أَنْزَلَ مُوسَى رَأْسَ بُغَا الصَّغِيرَ، وَسُلِّمَ إِلَى أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ، وَلَمَّا قُتِلَ صَالِحٌ قَالَ السَّلُولِيُّ لِمُوسَى بْنِ بُغَا:
أَخَذْتَ وَتَرَكَ مِنْ فِرْعَوْنَ حِينَ طَغَى ... وَجِئْتَ إِذْ جِئْتَ يَا مُوسَى عَلَى قَدَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute