وَضَمَّ إِلَيْهِ طَائِفَةً مِنَ الْأَعْرَابِ، وَأَمَرَ بِإِتْيَانِ الْبَصْرَةِ مِنْ نَاحِيَةِ بَنِي سَعِيدٍ، وَأَمَرَ يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ الْبَحْرَانِيَّ بِإِتْيَانِهَا مِمَّا يَلِي نَهْرَ عُدَيٍّ، وَضُمَّ إِلَيْهِ سَائِرُ الْأَعْرَابِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ وَاقَعَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ، وَبُفْرَاجُ يَوْمَئِذٍ بِالْبَصْرَةِ، فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْجُنْدِ، فَأَقَامَ يُقَاتِلُهُمْ يَوْمَيْنِ وَمَالَ النَّاسُ نَحْوَهُ.
وَأَقْبَلَ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ مَعَهُ نَحْوَ الْجِسْرِ، فَدَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ وَقْتَ صَلَاةِ الْجُمُعَةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ شَوَّالٍ، فَأَقَامَ يَقْتُلُ وَيَحْرِقُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَيْلَةَ السَّبْتِ، وَيَوْمَ السَّبْتِ، وَغَادَى يَحْيَى الْبَصْرَةَ يَوْمَ الْأَحَدِ، فَتَلَقَّاهُ بُفْرَاجُ وَبَرِّيَّةُ فِي جَمْعٍ فَرَدُّوهُ، فَرَجَعَ يَوْمَهُ ذَلِكَ.
ثُمَّ غَادَاهُمُ الْيَوْمَ الْآخَرَ، فَدَخَلَ وَقَدْ تَفَرَّقَ الْجُنْدُ، وَهَرَبَ بَرِّيَّةُ، وَانْحَازَ بُفْرَاجُ وَمَنْ مَعَهُ، وَلَقِيَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الْمُهَلَّبِيُّ، فَاسْتَأْمَنَهُ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَأَمَّنَهُمْ، فَنَادَى مُنَادِي إِبْرَاهِيمَ: مَنْ أَرَادَ الْأَمَانَ فَلْيَحْضُرْ دَارَ إِبْرَاهِيمَ، فَحَضَرَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ قَاطِبَةً، حَتَّى (مَلَئُوا الرِّحَابَ) فَلَمَّا رَأَى اجْتِمَاعَهُمُ انْتَهَزَ الْفُرْصَةَ لِئَلَّا يَتَفَرَّقُوا، فَغَدَرَ بِهِمْ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِقَتْلِهِمْ، فَكَانَ السَّيْفُ يَعْمَلُ فِيهِمْ، وَأَصْوَاتُهُمْ مُرْتَفِعَةٌ بِالشَّهَادَةِ، فَقَتَلَ ذَلِكَ الْجَمْعَ كُلَّهُ، وَلَمْ يَسْلَمَ إِلَّا النَّادِرُ مِنْهُمْ، ثُمَّ انْصَرَفَ يَوْمَهُ ذَلِكَ إِلَى الْحَرْبِيَّةِ.
وَدَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ الْجَامِعَ فَأَحْرَقَهُ، وَأُحْرِقَتِ الْبَصْرَةُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، مِنْهَا الْمِرْبَدُ، وَزَهْرَانُ، وَغَيْرُهُمَا، وَاتَّسَعَ الْحَرِيقُ مِنَ الْجَبَلِ إِلَى الْجَبَلِ، وَعَظُمَ الْخَطْبُ، وَعَمَّهَا الْقَتْلُ وَالنَّهْبُ وَالْإِحْرَاقُ، وَقَتَلُوا كُلَّ مَنْ رَأَوْهُ بِهَا، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْيَسَارِ أَخَذُوا مَالَهُ وَقَتَلُوهُ ; وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا قَتَلُوهُ لِوَقْتِهِ، بَقُوا كَذَلِكَ عِدَّةَ أَيَّامٍ.
ثُمَّ أَمَرَ يَحْيَى أَنْ يُنَادَى بِالْأَمَانِ لِيَظْهَرُوا، فَلَمْ يَظْهَرْ أَحَدٌ ; ثُمَّ انْتَهَى الْخَبَرُ إِلَى الْخَبِيثِ، فَصَرَفَ عَلِيَّ بْنَ أَبَانٍ عَنْهَا، وَأَقَرَّ يَحْيَى عَلَيْهَا لِمُوَافَقَتِهِ هَوَاهُ فِي كَثْرَةِ الْقَتْلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute