فَلَمَّا عَادُوا خَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَتَلَ مُقَدَّمَهُمْ وَمَنْ مَعَهُ، وَدَخَلَ بِلَادَهُمْ فَنَهَبَهَا، وَقَتَلَ فِيهِمْ فَأَكْثَرَ، وَنَهَبُوا وَسَبَوْا مَا لَا يُحْصَى، وَتَابَعَ عَلَيْهِمُ الْغَارَاتِ حَتَّى أَدَّوْا إِلَيْهِ الْجِزْيَةَ، وَلَمْ يَفْعَلُوهَا قَبْلَ ذَلِكَ.
وَاشْتَدَّتْ شَوْكَةُ الْعُمَرِيِّ، وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ خَبَرُهُ ابْنَ طُولُونَ سَيَّرَ إِلَيْهِ جَيْشًا كَثِيفًا، فَلَمَّا الْتَقَوْا تَقَدَّمَ الْعُمَرِيُّ، وَقَالَ لِمُقَدَّمِ الْجَيْشِ: إِنَّ ابْنَ طُولُونَ لَا يَعْرِفُ خَبَرِي، لَا شَكَّ، عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ لِلْفَسَادِ، وَلَمْ يَتَأَذَّ بِي مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ طَلَبًا لِلْجِهَادِ، فَاكْتُبْ إِلَى الْأَمِيرِ أَحْمَدَ عَرِّفْهُ كَيْفَ حَالِي، فَإِنْ أَمَرَكَ بِالِانْصِرَافِ فَانْصَرِفْ، وَإِلَّا إِنْ أَمَرَكَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كُنْتَ مَعْذُورًا. فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ، وَقَاتَلَهُ، فَانْهَزَمَ جَيْشُ ابْنِ طُولُونَ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهِ أَخْبَرُوهُ بِحَالِ الْعُمَرِيِّ فَقَالَ: كُنْتُمْ أَنْهَيْتُمْ حَالَهُ إِلَيَّ، فَإِنَّهُ نُصِرَ عَلَيْكُمْ بِبَغْيِكُمْ، وَتَرَكَهُ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ وَثَبَ عَلَى الْعُمَرِيِّ غُلَامَانِ لَهُ فَقَتَلَاهُ، وَحَمَلَا رَأْسَهُ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ طُولُونَ، فَلَمَّا حَضَرَا عِنْدَهُ سَأَلَهُمَا عَنْ سَبَبِ قَتْلِهِ، فَقَالَا: أَرَدْنَا التَّقَرُّبَ إِلَيْكَ بِذَلِكَ، فَقَتَلَهُمَا، وَأَمَرَ بِرَأْسِ الْعُمَرِيِّ فَغُسِّلَ، وَكُفِّنَ، وَدُفِنَ.
ذِكْرُ مَا كَانَ هَذِهِ السَّنَةَ بِالْأَنْدَلُسِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأُمَوِيُّ صَاحِبُ الْأَنْدَلُسِ، إِلَى طُلَيْطِلَةَ فَنَازَلَهَا وَحَصَرَهَا، وَكَانَ أَهْلُهَا قَدْ خَالَفُوا عَلَيْهِ، وَطَلَبُوا الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُمْ، وَأَخَذَ رَهَائِنَهُمْ.
وَفِيهَا خَرَجَ أَهْلُ طُلَيْطُلَةَ إِلَى حِصْنِ سَكْيَانَ، وَكَانَ فِيهِ سَبْعُمِائَةَ رَجُلٍ مِنَ الْبَرْبَرِ، وَكَانَ أَهْلُ طُلَيْطُلَةَ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، فَلَمَّا الْتَحَمَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمُ انْهَزَمَ أَحَدُ مُقَدَّمِي أَهْلِهَا، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبٍ، فَتَبِعَهُ أَهْلُ طُلَيْطُلَةَ فِي الْهَزِيمَةِ، وَإِنَّمَا انْهَزَمَ لِعَدَاوَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُقَدَّمٍ آخَرَ اسْمُهُ طُرَيْشَةُ مِنْ أَهْلِ طُلَيْطُلَةَ، فَأَرَادَ أَنْ يُوهِنَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا انْهَزَمُوا قَتَلُوا الْبِرْقِيلَ (؟) .
وَفِيهَا عَادَ عَمْرُو بْنُ عَمْرُوسَ إِلَى طَاعَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ مُخَالِفًا عَلَيْهِ عِدَّةَ سِنِينَ، فَوَلَّاهُ مَدِينَةَ أَمَشْقَةَ، وَحَصَرَ مُحَمَّدٌ حُصُونَ بَنِي مُوسَى، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى بَنْبَلُونَةَ فَوَطِئَ أَرْضَهَا وَعَادَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute