الْحَسَنِ مِنَ الْهَزِيمَةِ، وَسَارَ إِلَى الرَّيِّ فِي طَلَبِ عَبْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ سَارَ إِلَيْهَا بَعْدَ هَزِيمَةِ الْحَسَنِ، فَلَمَّا قَارَبَهَا يَعْقُوبُ كَتَبَ إِلَى الصَّلَانِيِّ، وَإِلَيْهَا يُخَيِّرُهُ بَيْنَ تَسْلِيمِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَيْهِ وَيَنْصَرِفُ عَنْهُ، وَبَيْنَ الْمُحَارِبَةِ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ فَرَحَلَ عَنْهُ، وَقَتَلَ عَبْدَ اللَّهِ.
ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بِالْمَوْصِلِ وَإِخْرَاجِ عَامِلِهِمْ
كَانَ الْخَلِيفَةُ الْمُعْتَمِدُ عَلَى اللَّهِ قَدِ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَوْصِلِ أَسَاتِكِينَ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ قُوَّادِ الْأَتْرَاكِ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ ابْنَهُ أَذْكُوتَكِينَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ ; فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّيْرُوزِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَهُوَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ نِيسَانَ، غَيَّرَهُ الْمُعْتَضِدُ بِاللَّهِ، وَدَعَا أَذْكُوتَكِينَ وَوُجُوهَ أَهْلِ الْمَوْصِلِ إِلَى قُبَّةٍ فِي الْمَيْدَانِ، وَأَحْضَرَ أَنْوَاعَ الْمَلَاهِي، وَأَكْثَرَ الْخَمْرَ، وَشَرِبَ ظَاهِرًا، وَتَجَاهَرَ أَصْحَابُهُ بِالْفُسُوقِ، وَفِعْلِ الْمُنْكَرَاتِ، وَأَسَاءَ السِّيرَةَ فِي النَّاسِ.
وَكَانَ تِلْكَ السَّنَةَ بَرْدٌ شَدِيدٌ أَهْلَكَ الْأَشْجَارَ، وَالثِّمَارَ، وَالْحِنْطَةَ، وَالشَّعِيرَ، وَطَالَبَ النَّاسَ بِالْخَرَاجِ عَلَى الْغَلَّاتِ الَّتِي هَلَكَتْ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ لَا يَسْمَعُ بِفَرَسٍ جَيِّدٍ عِنْدَ أَحَدٍ إِلَّا أَخَذَهُ، وَأَهْلُ الْمَوْصِلِ صَابِرُونَ، إِلَى أَنْ وَثَبَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى امْرَأَةٍ فَأَخَذَهَا فِي الطَّرِيقِ، فَامْتَنَعَتْ، وَاسْتَغَاثَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ اسْمُهُ إِدْرِيسُ الْحِمْيَرِيُّ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَالصَّلَاحِ، فَخَلَّصَهَا مِنْ يَدِهِ، فَعَادَ الْجُنْدِيُّ إِلَى أَذْكُوتَكِينَ فَشَكَا مِنَ الرَّجُلِ، فَأَحْضَرَهُ وَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكْشِفَ الْأَمَرَ، فَاجْتَمَعَ وُجُوهُ أَهْلِ الْمَوْصِلِ إِلَى الْجَامِعِ وَقَالُوا: قَدْ صَبَرْنَا عَلَى أَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَشَتْمِ الْأَعْرَاضِ، وَإِبْطَالِ السُّنَنِ وَالْعَسْفِ، وَقَدْ أَفْضَى الْأَمَرُ إِلَى أَخْذِ الْحَرِيمِ، فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى إِخْرَاجِهِ، وَالشَّكْوَى مِنْهُ إِلَى الْخَلِيفَةِ.
وَبَلَغَهُ الْخَبَرُ، فَرَكِبَ إِلَيْهِمْ فِي جُنْدِهِ، وَأَخَذَ مَعَهُ النَّفَّاطِينَ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ وَقَاتَلُوهُ قِتَالًا شَدِيدًا، حَتَّى أَخْرَجُوهُ عَنِ الْمَوْصِلِ، وَنَهَبُوا دَارَهُ، وَأَصَابَهُ حَجَرٌ فَأَثْخَنَهُ، وَمَضَى يَوْمَهُ إِلَى بَلَدِهِ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى سَامَرَّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute