وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، وَقَلَّدُوهُ أَمْرَهُمْ، فَفَعَلَ، فَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى أَنِ انْقَضَتْ سَنَةُ سِتِّينَ، فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَسِتِّينَ [وَمِائَتَيْنِ] كَتَبَ أَسْتَاتَكِينُ إِلَى الْهَيْثَمِ بْنِ الْمُعَمِّرِ التَّغْلِبِيِّ، ثُمَّ الْعَدَوِيِّ، فِي أَنْ يَتَقَلَّدَ الْمَوْصِلَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخِلَعَ وَاللِّوَاءَ، وَكَانَ بِدِيَارِ رَبِيعَةَ، فَجَمَعَ جُمُوعًا كَثِيرَةً، وَسَارَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَنَزَلَ بِالْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ دِجْلَةُ، فَقَاتَلُوهُ، فَعَبَرَ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَزَحَفَ إِلَى بَابِ الْبَلَدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ فِي أَهْلِ الْمَوْصِلِ، فَقَاتَلُوهُ فَقَتَلَ بَيْنَهُمْ قَتْلَى كَثِيرَةً، وَكَثُرَتِ الْجِرَاحَاتُ وَعَادَ الْهَيْثَمُ عَنْهُمْ.
فَاسْتَعْمَلَ أَسَاتِكِينُ عَلَى الْمَوْصِلِ إِسْحَاقَ بْنَ أَيُّوبَ التَّغْلِبِيَّ فِي جَمْعٍ يَبْلُغُونَ عِشْرِينَ أَلْفًا، مِنْهُمْ حَمْدَانُ بْنُ حَمْدُونَ التَّغْلِبِيُّ، وَغَيْرُهُ، فَنَزَلَ عِنْدَ الدَّيْرِ الْأَعْلَى، فَقَاتَلَهُ أَهْلُ الْمَوْصِلِ وَمَنَعُوهُ، فَبَقُوا كَذَلِكَ مُدَّةً، فَمَرِضَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَمِيرُ، فَطَمِعَ إِسْحَاقُ فِي الْبَلَدِ، وَوَصَلَ إِلَى سُوقِ الْأَرْبِعَاءِ، وَأَحْرَقَ سُوقَ الْحَشِيشِ، فَخَرَجَ بَعْضُ الْعُدُولِ، اسْمُهُ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، وَعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ مُصْحَفًا، وَاسْتَغَاثَ بِالْمُسْلِمِينَ فَأَجَابُوهُ، وَعَادُوا إِلَى الْحَرْبِ، وَحَمَلُوا عَلَى إِسْحَاقَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَخْرَجُوهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ.
وَبَلَغَ يَحْيَى بْنَ سُلَيْمَانَ الْخَبَرُ فَأَمَرَ فَحُمِلَ فِي مِحَفَّةٍ، وَجُعِلَ أَمَامَ الصَّفِّ، فَلَمَّا رَآهُ أَهْلُ الْمَوْصِلِ قَوِيَتْ نُفُوسُهُمْ، وَاشْتَدَّ قِتَالُهُمْ، وَلَمْ يَزَلِ الْأَمَرُ كَذَلِكَ، وَإِسْحَاقُ يُرَاسِلُ أَهْلَ الْمَوْصِلِ، (وَيَعِدُهُمُ الْأَمَانَ) ، وَحُسْنَ السِّيرَةِ، فَأَجَابُوهُ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَلَدَ، وَيُقِيمَ بِالرَّبَضِ الْأَعْلَى، فَدَخَلَ وَأَقَامَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ.
ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، وَبَيْنَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْمَوْصِلِ شَرٌّ، فَرَجَعُوا إِلَى الْحَرْبِ، وَأَخْرَجُوهُ عَنْهَا، وَاسْتَقَرَّ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ بِالْمَوْصِلِ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ أَهْلِ طُلَيْطُلَةَ وَهَوَّارَةَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَ مُوسَى بْنُ ذِي النُّونِ الْهَوَّارِيُّ بِشَنْتِ بَرِيَّةَ، وَأَغَارَ عَلَى أَهْلِ طُلَيْطُلَةَ، وَدَخَلَ حِصْنَ وَلِيدٍ مِنْ شَنْتَ بَرِيَّةَ، فَخَرَجَ أَهْلُ طُلَيْطُلَةَ إِلَيْهِ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute