للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَدَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا نَيْسَابُورَ، وَهُوَ يَوْمٌ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ يَعْقُوبُ وَبَرَ سُمُّورٍ كَانَ عَلَى كَتِفِهِ، فَحَسَدَهُ عَلَيْهِ الْخُجُسْتَانِيُّ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ يَعْقُوبَ يُرِيدُ الْغَدْرَ بِكَ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْلَعُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَاصَّتِهِ خِلْعَةً إِلَّا غَدَرَ بِهِ.

فَغَمَّ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ، وَقَالَ: كَيْفَ الْحِيلَةُ فِي الْخَلَاصِ؟ قَالَ: الْحِيلَةُ أَنْ نَهْرُبَ جَمِيعًا إِلَى أَخِيكَ يَعْمُرَ، فَإِنِّي خَائِفٌ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَكَانَ يَعْمُرُ قَدْ حَاصَرَ أَبَا دَاوُدَ النَّاهِجُوزِيَّ بِبَلْخَ، وَمَعَهُ نَحْوٌ مِنْ خَمْسَةِ آلَافِ رَجُلٍ، فَاتَّفَقَا عَلَى الْخُرُوجِ لَيْلَتَهُمْ، فَسَبَقَهُ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْمَوْعِدِ، فَانْتَظَرَهُ سَاعَةً فَلَمْ يَرَهُ، فَسَارَ نَحْوَ سَرَخْسَ، وَذَهَبَ الْخُجُسْتَانِيُّ إِلَى يَعْقُوبَ فَأَعْلَمُهُ، فَأَرْسَلَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلَحِقُوهُ بِسَرَخْسَ فَقَتَلُوهُ، وَمَالَ يَعْقُوبُ إِلَى الْخُجُسْتَانِيِّ.

فَلَمَّا أَرَادَ يَعْقُوبُ الْعَوْدَ إِلَى سِجِسْتَانَ اسْتَخْلَفَ عَلَى نَيْسَابُورَ عَزِيزَ بْنَ السَّرِيِّ، وَوَلَّى أَخَاهُ عَمْرَو بْنَ اللَّيْثِ هَرَاةَ، فَاسْتَخْلَفَ عَمْرٌو عَلَيْهَا طَاهِرَ بْنَ حَفْصٍ الْبَاذَغِيسِيَّ.

وَسَارَ يَعْقُوبُ إِلَى سِجِسْتَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَحَبَّ الْخُجُسْتَانِيُّ التَّخَلُّفَ لِمَا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ، فَقَالَ لِعَلِيِّ بْنِ اللَّيْثِ: إِنَّ أَخَوَيْكَ قَدِ اقْتَسَمَا خُرَاسَانَ، وَلَيْسَ لَكَ بِهَا مَنْ يَقُومُ بِشُغْلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَيْهَا لِأَقُومَ بِأُمُورِكَ ; فَاسْتَأْذَنَ أَخَاهُ يَعْقُوبَ فِي ذَلِكَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا حَضَرَ أَحْمَدُ يُوَدِّعُ يَعْقُوبَ أَحْسَنَ لَهُ الْقَوْلَ، وَرَدَّهُ وَخَلَعَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا وَلَّى عَنْهُ قَالَ يَعْقُوبُ: أَشْهَدُ أَنَّ قَفَاهُ قَفَا مُسْتَعْصٍ، وَأَنَّ هَذَا آخِرُ عَهْدِنَا بِطَاعَتِهِ. فَلَمَّا فَارَقَهُمْ جَمَعَ نَحْوًا مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ فَوَرَدَ بِهِمْ بَشْتَ نَيْسَابُورَ، فَحَارَبَ عَامِلَهَا، وَأَخْرَجَهُ عَنْهَا، وَجَبَاهَا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى قُومِسَ، فَقَتَلَ بِبِسْطَامَ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَتَغَلَّبَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ.

وَسَارَ إِلَى نَيْسَابُورَ، وَبِهَا عَزِيزُ بْنُ السَّرِيِّ، فَهَرَبَ عَزِيزٌ، وَأَخَذَ أَحْمَدُ أَثْقَالَهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى نَيْسَابُورَ يَدْعُو إِلَى الطَّاهِرِيَّةِ، وَذَلِكَ أَوَّلَ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَتَبَ إِلَى رَافِعِ بْنِ هَرْثَمَةَ يَسْتَقْدِمُهُ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، فَجَعَلَهُ صَاحِبَ جَيْشِهِ، وَكَتَبَ إِلَى يَعْمُرَ بْنِ شَرْكُبَ، وَهُوَ يُحَاصِرُ بَلْخَ، يَسْتَقْدِمُهُ لِيَتَّفِقَا عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ، فَلَمْ يَثِقْ إِلَيْهِ يَعْمُرُ لِفِعْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>