دَوْرَقَ، وَأَوْقَعُوا بِمَنْ كَانَ هُنَاكَ مِنْ أَصْحَابِ يَعْقُوبَ، وَأَنْفَذَ يَعْقُوبُ إِلَى الْخَضِرِ مَدَدًا، وَأَمَرَهُ بِالْكَفِّ عَنْ قِتَالِ الزَّنْجِ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْمُقَامِ بِالْأَهْوَازِ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ عَلِيٌّ إِلَى ذَلِكَ دُونَ نَقْلِ طَعَامٍ كَانَ هُنَاكَ، فَأَجَابَهُ يَعْقُوبُ إِلَيْهِ، فَنَقَلَهُ، وَتَرَكَ الْعَلَفَ الَّذِي كَانَ بِالْأَهْوَازِ وَكَفَّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.
ذِكْرُ مَلِكِ الرُّومِ لُؤْلُؤَةَ
وَفِيهَا سَلَّمَتِ الصَّقَالِبَةُ لُؤْلُؤَةَ إِلَى الرُّومِ ; وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ طُولُونَ قَدْ أَدْمَنَ الْغَزْوَ بِطَرَسُوسَ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ مِصْرَ، فَلَمَّا وَلِيَ مِصْرَ كَانَ يُؤْثِرُ أَنْ يَلِيَ طَرَسُوسَ لِيَغْزُوَ مِنْهَا أَمِيرًا، فَكَتَبَ إِلَى أَبِي أَحْمَدَ الْمُوَفَّقِ يَطْلُبُ وِلَايَتَهَا، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا مُحَمَّدَ بْنَ هَارُونَ التَّغْلِبِيَّ، فَرَكِبَ فِي سَفِينَةٍ فِي دِجْلَةَ فَأَلْقَتْهَا الرِّيحُ إِلَى الشَّاطِئِ، فَأَخَذَهُ أَصْحَابُ مُسَاوِرٍ الشَّارِيِّ فَقَتَلُوهُ، وَاسْتَعْمَلَ عِوَضَهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْأَرْمَنِيَّ، وَأُضِيفَ إِلَيْهِ أَنْطَاكِيَةَ، فَوَثَبَ بِهِ أَهْلُ طَرَسُوسَ فَقَتَلُوهُ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا (أَرْخُوزَ بْنَ يُولَغَ) بْنِ طَرْخَانَ التُّرْكِيَّ، فَسَارَ بِهَا، وَكَانَ غِرًّا جَاهِلًا، فَأَسَاءَ السِّيرَةَ، وَأَخَّرَ عَنْ أَهْلِ لُؤْلُؤَةَ أَرْزَاقَهُمْ وَمِيرَتَهُمْ، فَضَجُّوا مِنْ ذَلِكَ، وَكَتَبُوا إِلَى أَهْلِ طَرَسُوسَ يَشْكُونَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ: إِنْ لَمْ تُرْسِلُوا إِلَيْنَا أَرْزَاقَنَا وَمِيرَتَنَا وَإِلَّا سَلَّمْنَا الْقَلْعَةَ إِلَى الرُّومِ.
فَأَعْظَمَ ذَلِكَ أَهْلُ طَرَسُوسَ وَجَمَعُوا مِنْ بَيْنِهِمْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ لِيَحْمِلُوهَا إِلَيْهِمْ، فَأَخَذَهَا أَرْخُوزُ لِيَحْمِلَهَا إِلَى أَهْلِ لُؤْلُؤَةَ، فَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ.
فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِمُ الْمَالُ سَلَّمُوا الْقَلْعَةَ إِلَى الرُّومِ، فَقَامَتْ عَلَى أَهْلِ طَرَسُوسَ الْقِيَامَةُ ; لِأَنَّهَا كَانَتْ شَجًّا فِي حَلْقِ الْعَدُوِّ، وَلَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ لِلرُّومِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ إِلَّا رَأَوْهُ، وَأَنْذَرُوا بِهِ ; وَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِالْمُعْتَمِدِ، فَقَلَّدَهَا أَحْمَدَ بْنَ طُولُونَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا مَنْ يَقُومُ بِغَزْوِ الرُّومِ وَيَحْفَظُ ذَلِكَ الثَّغْرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute