للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَتْ عِلَّتُهُ الْقُولَنْجُ، فَأَمَرَهُ الْأَطِبَّاءُ بِالِاحْتِقَانِ بِالدَّوَاءِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَاخْتَارَ الْمَوْتَ.

وَكَانَ الْمُعْتَمِدُ قَدْ أَنْفَذَ إِلَيْهِ رَسُولًا وَكِتَابًا يَسْتَمِيلُهُ وَيَتَرَضَّاهُ، وَيُقَلِّدُهُ أَعْمَالَ فَارِسَ، فَوَصَلَ الرَّسُولُ وَيَعْقُوبُ مَرِيضٌ، فَجَلَسَ لَهُ، وَجَعَلَ عِنْدَهُ سَيْفًا، وَرَغِيفًا مِنَ الْخُبْزِ الْخُشْكَارِ، وَمَعَهُ بَصَلٌ، وَأَحْضَرَ الرَّسُولَ، فَأَدَّى الرِّسَالَةَ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ لِلْخَلِيفَةِ إِنَّنِي عَلِيلٌ، فَإِنْ مُتُّ فَقَدِ اسْتَرَحْتُ مِنْكَ وَاسْتَرَحْتَ مِنِّي، وَإِنْ عُوفِيتُ فَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ إِلَّا هَذَا السَّيْفُ، حَتَّى آخُذَ بِثَأْرِي، أَوْ تَكْسِرَنِي وَتَعْقِرَنِي، وَأَعُودُ إِلَى هَذَا الْخُبْزِ وَالْبَصَلِ، وَأَعَادَ الرَّسُولَ، فَلَمْ يَلْبَثْ يَعْقُوبُ أَنْ مَاتَ.

وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ الْعَلَوِيُّ يُسَمِّي يَعْقُوبَ بْنَ اللَّيْثِ السِّنْدَانَ لِثَبَاتِهِ، وَكَانَ يَعْقُوبُ قَدِ افْتَتَحَ الرُّخَّجَ، وَقَتَلَ مَلِكَهَا، أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَى يَدِهِ، كَانَتْ مَمْلَكَتُهُ وَاسِعَةَ الْحُدُودِ، وَكَانَ اسْمُ مَلِكِهَا كَبْتِيرُ، وَكَانَ يُحْمَلُ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ يَحْمِلُهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَابْتَنَى عَلَى جَبَلٍ عَالٍ بَيْتًا، وَسَمَّاهُ مَكَّةَ، وَكَانَ يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ، فَقَتَلَهُ يَعْقُوبُ، وَافْتَتَحَ الْخَلْجِيَّةَ، وَزَابُلَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَيَّ سَنَةٍ كَانَ ذَلِكَ حَتَّى أَذْكُرَهُ فِيهَا.

وَكَانَ يَعْقُوبُ عَاقِلًا، حَازِمًا، وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ عَاشَرْتَهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَمْ تَعْرِفْ أَخْلَاقَهُ، فَلَا تَعْرِفْهَا سَنَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ سِيرَتِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَقْلِهِ.

وَلَمَّا مَاتَ قَامَ بِالْأَمِيرِ بَعْدَهُ أَخُوهُ عَمْرُو بْنُ اللَّيْثِ، وَكَتَبَ إِلَى الْخَلِيفَةِ بِطَاعَتِهِ، فَوَلَّاهُ الْمُوَفَّقُ خُرَاسَانَ، وَفَارِسَ، وَأَصْبَهَانَ، وَسِجِسْتَانَ، وَالسِّنْدَ وَكَرْمَانَ، وَالشُّرْطَةَ بِبَغْدَاذَ، وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ، وَسَيَّرَهُ إِلَيْهِ مَعَ الْخَلْعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>