بِالْحَرْبِ، وَالرَّأْيُ لَنَا أَنْ نَرْمِيَهُ بِحَدِّنَا كُلِّهِ، وَنَجْبَهَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ نَلْقَاهُ فِي إِزَالَتِهِ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ يَرُوعُهُ فَيَنْصَرِفُ عَنَّا، فَجَمَعُوا، وَحَشَدُوا، فَلَمَّا عَلِمَ أَبُو الْعَبَّاسِ قُرْبَهُمْ عَدَلَ عَنْ سُنَنِ الطَّرِيقِ، اعْتَرَضَ فِي مَسِيرِهِ، وَلَقِيَ أَصْحَابُهُ أَوَائِلَ الزَّنْجِ، فَتَطَارَدُوا لَهُمْ، حَتَّى طَمِعُوا فِيهِمْ، وَاغْتَرُّوا وَاتَّبَعُوهُمْ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: اطْلُبُوا أَمِيرًا لِلْحَرْبِ، فَإِنَّ أَمِيرَكُمْ قَدِ اشْتَغَلَ بِالصَّيْدِ.
فَلَمَّا قَرُبُوا مِنْهُ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ الْخَيْلِ وَالرَّجْلِ، وَصَاحَ بِنُصَيْرٍ:
إِلَى أَيْنَ تَتَأَخَّرُ عَنْ هَذِهِ الْأَكْلُبِ! فَرَجَعَ نُصَيْرٌ، وَرَكِبَ أَبُو الْعَبَّاسِ سُمَيْرِيَّةً وَحَفَّ بِهِ أَصْحَابُهُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، فَانْهَزَمَتِ الزَّنْجُ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ، وَتَبِعُوهُمْ إِلَى أَنْ وَصَلُوا قَرْيَةَ عَبْدِ اللَّهِ، وَهِيَ سِتَّةُ فَرَاسِخَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي لَقُوهُمْ بِهِ، وَأَخَذُوا مِنْهُمْ خَمْسَ شَذَوَاتٍ، وَعِدَّةَ سُمَيْرِيَّاتٍ، وَأُسِرَ جَمَاعَةٌ، وَاسْتَأْمَنَ جَمَاعَةٌ، فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ الْفَتْحِ، فَسَارَ سُلَيْمَانُ بْنُ جَامِعٍ إِلَى نَهْرِ الْأَمِيرِ، وَسَارَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الشَّعْرَانِيُّ إِلَى سُوقِ الْخَمِيسِ، وَانْحَدَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ فَأَقَامَ بِالْعُمْرِ وَهُوَ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ وَاسِطَ، وَأَصْلَحَ شَذَوَاتِهِ، وَجَعَلَ يُرَاوِحُ الْقَوْمَ الْقِتَالَ وَيُغَادِيهِمْ.
ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَانَ اسْتَعَدَّ وَحَشَدَ، وَجَعَلَ أَصْحَابَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، وَقَالُوا: إِنَّهُ حَدَثٌ، غِرٌّ يُغَرِّرُ بِنَفْسِهِ، وَكَمَّنُوا كُمَنَاءَ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ أَبَا الْعَبَّاسِ، فَحَذِرُوا وَأَقْبَلُوا وَقَدْ كَمَّنُوا الْكُمَنَاءَ لِيَغْتَرَّ بِاتِّبَاعِهِمْ فَيَخْرُجَ الْكَمِينُ عَلَيْهِ، فَمَنَعَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَصْحَابَهُ أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ، فَلَمَّا عَلِمُوا أَنَّ كَيْدَهُمْ لَمْ يَتِمَّ خَرَجَ سُلَيْمَانُ فِي الشَّذَوَاتِ وَالسُّمَيْرِيَّاتِ، فَأَمَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ نُصَيْرًا أَنْ يَبْرُزَ إِلَيْهِمْ، وَرَكِبَ هُوَ شَذَاةً مِنْ شَذَوَاتِهِ سَمَّاهَا الْغَزَالَ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ خَاصَّتِهِ، وَأَمَرَ الْخَيَّالَةَ بِالْمَسِيرِ بِإِزَائِهِ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ إِلَى أَنْ يَنْقَطِعَ، فَعَبَّرُوا دَوَابَّهُمْ، وَنَشِبَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَوَقَعَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى الزَّنْجِ، وَغَنِمَ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْهُمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَذَاةً، وَأَفْلَتَ سُلَيْمَانُ وَالْجُبَّائِيُّ بَعْدَ أَنْ أَشْفَيَا عَلَى الْهَلَاكِ، وَبَلَغُوا طَهْثَا، وَأَسْلَمُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ.
وَرَجَعَ أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَى مُعَسْكَرِهِ، وَأَمَرَ بِإِصْلَاحِ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ مِنَ الشَّذَوَاتِ وَالسُّمَيْرِيَّاتِ، وَأَقَامَ الزَّنْجُ عِشْرِينَ يَوْمًا لَا يَظْهَرُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَجَعَلُوا عَلَى طَرِيقِ الْخَيْلِ آبَارًا، وَجَعَلُوا فِيهَا سَفَافِيدَ حَدِيدَ، وَجَعَلُوا عَلَى رُءُوسِهَا الْبَوَارِيَ وَالتُّرَابَ لِيَسْقُطَ فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute