وَرَجَعَ أَبُو أَحْمَدَ إِلَى مُعَسْكَرِهِ مِنْ يَوْمِهِ، وَقَدِ اسْتَنْقَذَ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ زُهَاءَ خَمْسَةِ آلَافِ امْرَأَةٍ سِوَى مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنَ الزَّنْجِيَّاتِ، وَأَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ بِحِفْظِ النِّسَاءِ وَحَمْلِهِنَّ إِلَى وَاسِطَ لِيُدْفَعْنَ إِلَى أَهْلِهِنَّ، ثُمَّ بَكَّرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَ النَّاسَ بِأَخْذِ مَا فِيهِ فَأُخِذَ جَمِيعُهُ، وَأَمَرَ بِهَدْمِ سُورِهَا، وَطَمِّ خَنْدَقِهَا، وَإِحْرَاقِ مَا بَقِيَ فِيهَا مِنَ السُّفُنِ، وَأَخَذُوا مِنَ الطَّعَامِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْأُرْزِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ بِبَيْعِ ذَلِكَ وَصَرْفِهِ إِلَى الْجُنْدِ.
وَلَمَّا انْهَزَمَ سُلَيْمَانُ لَحِقَ بِالْمَرَازِ، وَكَتَبَ إِلَى الْخَائِنِ، صَاحِبِ الزَّنْجِ بِذَلِكَ، فَوَرَدَ الْكِتَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ، فَانْحَلَّ بَطْنُهُ، فَقَامَ إِلَى الْخَلَاءِ دَفَعَاتٍ، وَكَتَبَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ جَامِعٍ يُحَذِّرُهُ مِثْلَ الَّذِي نَزَلَ بِالشَّعْرَانِيِّ، وَيَأْمُرُهُ بِالتَّيَقُّظِ.
وَأَقَامَ الْمُوَفَّقُ بِنَهْرِ مُسَاوِرٍ يَوْمَيْنِ يَتَعَرَّفُ أَخْبَارَ الشَّعَرْانِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ جَامِعٍ، فَأَتَاهُ مَنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ جَامِعٍ بِالْجَوَانِيتِ، فَسَارَ حَتَّى وَافَى الصِّينِيَّةَ، وَأَمَرَ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ بِالتَّقَدُّمِ بِالشَّذَا وَالسُّمَيْرِيَّاتِ إِلَى الْجَوَانِيتِ مُخْتَفِيًا، فَسَارَ أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَرَ سُلَيْمَانَ بِهَا، وَرَأَى هُنَاكَ جَمْعًا مِنَ الزَّنْجِ مَعَ قَائِدَيْنِ لَهُمْ خَلَّفَهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ جَامِعٍ هُنَاكَ لِحِفْظِ غَلَّاتٍ كَثِيرَةٍ لَهُمْ فِيهَا، فَحَارَبَهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَدَامَتِ الْحَرْبُ إِلَى أَنْ حَجَزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، وَاسَتَأْمَنَ إِلَى أَبِي الْعَبَّاسِ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَامِعٍ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُقِيمٌ بِطَهْثَا، بِمَدِينَتِهِ الَّتِي سَمَّاهَا الْمَنْصُورَةَ، فَعَادَ أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَى أَبِيهِ بِالْخَبَرِ، فَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ، فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ بَرْدُودَا، فَأَقَامَ بِهَا لِإِصْلَاحِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَاسْتَكْثَرَ مِنَ الْآلَاتِ الَّتِي يَسُدُّ بِهَا الْأَنْهَارَ، وَيُصْلِحُ بِهَا الطُّرُقَ لِلْخَيْلِ، وَخَلَّفَ بِبَرْدُودَا بُفْرَاجَ التُّرْكِيَّ.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ الْمُوَفَّقِ عَلَى طَهْثَا
لَمَّا فَرَغَ الْمُوَفَّقُ مِنَ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَارَ عَنْ بَرْدُودَا إِلَى طَهْثَا لِعَشَرٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ مَسِيرُهُ عَلَى الظُّهْرِ فِي خَيْلِهِ، وَانْحَدَرَتِ السُّفُنُ وَالْآلَاتُ، فَنَزَلَ بِقَرْيَةِ الْجَوْزِيَّةِ، وَعَقَدَ جِسْرًا، ثُمَّ غَدَا فَعَبَّرَ خَيْلَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ مُعَسْكَرًا عَلَى مِيلَيْنِ مِنْ طَهْثَا، فَأَقَامَ هُنَالِكَ يَوْمَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute