ذِكْرُ وُصُولِ الْمُوَفَّقِ إِلَى قِتَالِ الزَّنْجِ وَفَتْحِ الْمَنِيعَةِ
وَفِيهَا، فِي صَفَرٍ، سَارَ الْمُوَفَّقُ عَنْ بَغْدَاذَ إِلَى وَاسِطَ لِحَرْبِ الزَّنْجِ، وَكَانَ سَبَبُ تَأَخُّرِهِ عَنِ ابْنِهِ أَبِي الْعَبَّاسِ هَذِهِ أَنَّهُ [كَانَ] يَجْمَعُ وَيَحْشِدُ الْفُرْسَانَ وَالرَّجَّالَةَ، وَيَسْتَكْثِرُ مِنَ الْعُدَّةِ الَّتِي يَقْوَى بِهَا عَلَى حَرْبِ الزَّنْجِ، وَيَسُدُّ الْجِهَاتِ الَّتِي يَخَافُ فِيهَا لِئَلَّا يَبْقَى لَهُ مَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ.
إِلَّا أَنَّ الْخَبِيثَ رَئِيسَ الزَّنْجِ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِيِّ يَأْمُرُهُ بِالِاجْتِمَاعِ مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ جَامِعٍ عَلَى حَرْبِ أَبِي الْعَبَّاسِ، فَخَافَ وَهْنًا يَتَطَرَّقُ إِلَى ابْنِهِ أَبِي الْعَبَّاسِ، فَسَارَ عَنْ بَغْدَاذَ فِي صَفَرٍ، فَوَصَلَ إِلَى وَاسِطَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَلَقِيَهُ ابْنُهُ وَأَخْبَرَهُ بِحَالِ جُنْدِهِ وَقُوَّادِهِ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَرَجَعَ أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَى مُعَسْكَرِهِ بِالْعُمْرِ، ثُمَّ نَزَلَ الْمُوَفَّقُ عَلَى نَهْرِ شَدَّادٍ بِإِزَاءِ قَرْيَةِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مُعَسْكَرِهِ بِالْعُمْرِ، ثُمَّ نَزَلَ الْمُوَفَّقُ عَلَى نَهْرِ شَدَّادٍ، وَأَمَرَ ابْنَهُ فَنَزَلَ شَرْقِيَّ دِجْلَةَ بِإِزَاءِ فُوَّهَةِ بَرْدُودَا، وَوَلَّاهُ مُقَدِّمَتَهُ، وَأَعْطَى الْجَيْشَ أَرْزَاقَهُمْ، وَأَمَرَ ابْنَهُ أَنْ يَسِيرَ بِمَا مَعَهُ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ إِلَى فُوَّهَةِ نَهْرِ مُسَاوِرٍ، فَرَحَلَ فِي نُخْبَةِ أَصْحَابِهِ، وَرَحَلَ الْمُوَفَّقُ بَعْدَهُ، فَنَزَلَ فُوَّهَةَ نَهْرِ مُسَاوِرٍ فَأَقَامَ يَوْمَيْنِ.
ثُمَّ رَحَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي سَمَّاهَا صَاحِبُ الزَّنْجِ الْمَنِيعَةَ مِنْ سُوقِ الْخَمِيسِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءَ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَسَلَكَ بِالسُّفُنِ فِي نَهْرِ مُسَاوِرٍ، وَسَارَتِ الْخَيْلُ بِإِزَائِهِ شَرْقِيَّ نَهْرِ مُسَاوِرٍ، حَتَّى جَازُوا بَرَاطِقَ الَّذِي يُوصِلُ إِلَى الْمَنِيعَةِ، وَأَمَرَ بِتَعْبِيرِ الْخَيْلِ، وَتَصْيِيرِهَا مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَأَمَرَ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ بِالتَّقَدُّمِ بِالشَّذَا بِعَامَّةِ الْجَيْشِ، فَفَعَلَ، فَلَقِيَهُ الزَّنْجُ، فَحَارَبُوهُ حَرْبًا شَدِيدَةً، وَوَافَاهُمْ أَبُو أَحْمَدَ الْمُوَفَّقُ، وَالْخَيْلُ مِنْ جَانِبَيِ النَّهْرِ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ انْهَزَمُوا وَتَفَرَّقُوا وَعَلَا أَصْحَابُ أَبِي الْعَبَّاسِ السُّورَ، وَوَضَعُوا السُّيُوفَ فِيمَنْ لَقِيَهُمْ، وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ فَقَتَلُوا فِيهَا خَلْقًا كَثِيرًا، أَسَرُوا عَالَمًا عَظِيمًا، وَغَنِمُوا مَا كَانَ فِيهَا، وَهَرَبَ الشَّعْرَانِيُّ وَمَنْ مَعَهُ، وَتَبِعَهُ أَصْحَابُ الْمُوَفَّقِ إِلَى الْبَطَائِحِ، فَغَرِقَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَلَجَأَ الْبَاقُونَ إِلَى الْآجَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute