(فَعَرَفَ الزَّنْجُ السَّهْمَ) فَزَادَ ذَلِكَ فِي خَوْفِهِمْ، وَرَجَعَ أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَى عَسْكَرِهِ، وَقَدْ فَتَحَ الصِّينِيَّةَ.
وَبَلَغَهُ أَنَّ جَيْشًا عَظِيمًا لِلزَّنْجِ مَعَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي دُلَفَ وَلُؤْلُؤٍ الزَّنْجِيَّيْنِ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ، وَأَوْقَعَ بِهِمْ وَقْعَةً عَظِيمَةً وَقْتَ السَّحَرِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، مِنْهُمْ لُؤْلُؤٌ، وَأَسَرَ ثَابِتًا، فَمَنَّ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُ مَعَ بَعْضِ قُوَّادِهِ، وَاسْتَنْقَذَ مِنَ النِّسَاءِ خَلْقًا كَثِيرًا، فَأَمَرَ بِإِطْلَاقِهِنَّ وَرَدِّهِنَّ إِلَى أَهْلِهِنَّ، أَخَذَ كُلَّ مَا كَانَ الزَّنْجُ جَمَعُوهُ، أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْتَرِيحُوا لِلْمَسِيرِ إِلَى سُوقِ الْخَمِيسِ، وَأَمَرَ نُصَيْرًا بِتَعْبِئَةِ أَصْحَابِهِ لِلْمَسِيرِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ نَهَرَ سُوقِ الْخَمِيسِ ضَيِّقٌ، فَأَقِمْ أَنْتَ وَنَسِيرُ نَحْنُ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلَا تُكْثِرْ مِنَ الشَّذَا، وَلَا مِنَ الرِّحَالِ، فَإِنَّ النَّهْرَ ضَيِّقٌ.
فَسَارَ إِلَيْهِ، وَنُصَيْرٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، إِلَى فَمِ نَهْرِ مُسَاوِرٍ، فَوَقَفَ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَتَقَدَّمَهُ نُصَيْرٌ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ شَذَاةً فِي نَهْرِ بَرَاطِقَ، وَهُوَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى مَدِينَةِ الشَّعْرَانِيِّ الَّتِي سَمَّاهَا الْمَنِيعَةَ فِي سُوقِ الْخَمِيسِ، فَلَمَّا غَابَ عَنْهُ نُصَيْرٌ خَرَجَ جَمَاعَةٌ فِي الْبَرِّ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ، فَمَنَعُوهُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَاتَلُوهُ قِتَالًا شَدِيدًا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى الظُّهْرِ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ خَبَرُ نُصَيْرٍ، وَجَعَلَ الزَّنْجُ يَقُولُونَ: قَدْ قَتَلْنَا نُصَيْرًا.
وَاغْتَمَّ أَبُو الْعَبَّاسِ لِذَلِكَ، وَأَمَرَ مُحَمَّدَ بْنَ شُعَيْبٍ بِتَعَرُّفِ خَبَرِهِ، فَسَارَ، فَرَآهُ عِنْدَ عَسْكَرِ الزَّنْجِ وَأَحْرَقَهُ وَأَضْرَمَ النَّارَ فِي مَدِينَتِهِمْ، وَهُوَ يُقَاتِلُهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، فَعَادَ إِلَى أَبِي الْعَبَّاسِ فَأَخْبَرَهُ، فَسُرَّ بِذَلِكَ.
وَأَسَرَ نُصَيْرٌ مِنَ الزَّنْجِ جَمَاعَةً كَثِيرَةً، وَرَجَعَ حَتَّى وَافَى أَبَا الْعَبَّاسِ فَأَخْبَرَهُ، وَوَقَفَ أَبُو الْعَبَّاسِ يُقَاتِلُهُمْ، فَرَجَعُوا عَنْهُ، وَكَمَّنَ بَعْضَ شَذَوَاتِهِ، وَأَمَرَ أَنْ يُظْهِرَ وَاحِدَةً مِنْهَا، فَطَمِعُوا فِيهَا وَتَبِعُوهَا حَتَّى أَدْرَكُوهَا فَعَلِقُوا بِسُكَّانِهَا، فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمُ السُّفُنُ الْمُكَمَّنَةُ وَفِيهَا أَبُو الْعَبَّاسِ، فَانْهَزَمَ الزَّنْجُ، وَغَنِمَ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْهُمْ سِتَّ سُمَيْرِيَّاتٍ، وَانْهَزَمُوا لَا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ، وَرَجَعَ إِلَى عَسْكَرِهِ سَالِمًا، وَخَلَعَ عَلَى الْمَلَّاحِينَ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute