للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ مِمَّنْ ظَفِرَ بِهِ مُقَدَّمُ الزَّنْجِ، وَهُوَ أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ قُوَّادِهِمْ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ مَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِينَ سُمَيْرِيَّةٍ، فَجَزِعَ لِذَلِكَ جَمِيعُ الزَّنْجِ، فَأَسْتَأْمَنَ إِلَى نُصَيْرٍ مِنْهُمْ زُهَاءُ أَلْفَيْ رَجُلٍ، فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى الْمُوَفَّقِ، فَأَمَرَهُ بِقَبُولِهِمْ وَالْإِقْبَالِ إِلَيْهِ بِالنَّهْرِ الْمُبَارَكِ، فَوَافَاهُ هُنَاكَ.

وَأَمَرَ الْمُوَفَّقُ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ بِالْمَسِيرِ إِلَى مُحَارَبَةِ الْعَلَوِيِّ بِنَهْرِ أَبِي الْخَصِيبِ، فَسَارَ إِلَيْهِ، فَحَارَبَ مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى الظُّهْرِ، فَأَسْتَأْمَنَ إِلَيْهِ قَائِدًا مِنْ قُوَّادِ الْعَلَوِيِّ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَكَسَرَ ذَلِكَ الْخَبِيثُ، وَعَادَ أَبُو الْعَبَّاسِ بِالظَّفَرِ، وَكَتَبَ الْمُوَفَّقُ إِلَى الْعَلَوِيِّ كِتَابًا يَدْعُوهُ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا رَكِبَ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ، وَانْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ، وَإِخْرَابِ الْبُلْدَانِ، وَاسْتِحْلَالِ الْفُرُوجِ وَالْأَمْوَالِ، وَادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَيَبْذُلُ لَهُ الْأَمَانَ، فَوَصَلَ الْكِتَابُ إِلَيْهِ، فَقَرَأَهُ، وَلَمْ يَكْتُبْ جَوَابَهُ.

ذِكْرُ مُحَاصَرَةِ مَدِينَةِ صَاحِبِ الزَّنْجِ

لَمَّا أَنْفَذَ الْمُوَفَقُّ الْكِتَابَ إِلَى الْعَلَوِيِّ، وَلَمْ يَرُدَّ جَوَابَهُ، عَرَضَ عَسْكَرَهُ، وَأَصْلَحَ آلَاتِهِ، وَرَتَّبَ قُوَّادَهُ، ثُمَّ سَارَ هُوَ وَابْنُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ إِلَى مَدِينَةِ الْخَبِيثِ الَّتِي سَمَّاهَا الْمُخْتَارَةَ، وَأَشْرَفَ عَلَيْهَا، وَتَأَمَّلَهَا وَرَأَى حَصَانَتَهَا بِالْأَسْوَارِ وَالْخَنَادِقِ، وَغَوَّرَ الطَّرِيقَ إِلَيْهَا، وَمَا أُعِدَّ مِنَ الْمَجَانِيقِ وَالْعَرَّادَاتِ، وَالْقِسِيِّ، وَسَائِرِ الْآلَاتِ عَلَى سُورِهَا، مِمَّا لَمْ يَرَ مِثْلَهُ لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ مُنَازِعِي السُّلْطَانِ، وَرَأَى مِنْ كَثْرَةِ عَدَدِ الْمُقَاتِلَةِ مَا اسْتَعْظَمَهُ.

فَلَمَّا عَايَنَ الزَّنْجُ أَصْحَابَ الْمُوَفَّقِ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ حَتَّى ارْتَجَّتِ الْأَرْضُ، فَأَمَرَ الْمُوَفَّقُ ابْنَهُ بِالتَّقَدُّمِ إِلَى سُورِ الْمَدِينَةِ، وَالرَّمْيِ لِمَنْ عَلَيْهِ بِالسِّهَامِ، فَتَقَدَّمَ حَتَّى أَلْصَقَ شَذَوَاتِهِ بِمُسَنَّاةِ قَصْرِ الْخَبِيثِ، فَكَثُرَ الزَّنْجُ وَأَصْحَابُهُمْ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ وَمَنْ مَعَهُ، وَتَتَابَعَتْ سِهَامُهُمْ وَحِجَارَةُ مَجَانِيقِهِمْ وَمَقَالِيعِهِمْ، وَرَمَى عَوَامُّهُمْ بِالْحِجَارَةِ عَنْ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى مَا يَقَعُ الطَّرَفُ إِلَّا عَلَى سَهْمٍ أَوْ حَجَرٍ.

وَثَبَتَ أَبُو الْعَبَّاسِ، فَرَأَى الْعَلَوِيُّ مِنْ صَبْرِهِ وَثَبَاتِ أَصْحَابِهِ مَا لَمْ يَرَ مِثْلَهُ مِنْ أَحَدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>