[مِمَّنْ] حَارَبَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمُ الْمُوَفَّقُ بِالرُّجُوعِ فَفَعَلُوا، اسْتَأْمَنَ إِلَى الْمُوَفَّقِ مُقَاتِلَةٌ فِي سُمَيْرِيَّتَيْنِ، فَأَمَّنَهُمْ، فَخَلَعَ عَلَى مَنْ فِيهِمَا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَالْمَلَّاحِينَ عَلَى أَقْدَارِهِمْ وَوَصَلَهُمْ وَأَمَرَ بِإِدْنَائِهِمْ إِلَى مَوْضِعٍ يَرَاهُمْ فِيهِ نُظَرَاؤُهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَنْجَعِ الْمَكَايِدِ، فَلَمَّا رَآهُمُ الْبَاقُونَ رَغِبُوا فِي الْأَمَانِ، وَتَنَافَسُوا فِيهِ، وَابْتَدَرُوا إِلَيْهِ، فَصَارَ إِلَى الْمُوَفَّقِ عَدَدٌ كَثِيرٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ أَصْحَابِ السُّمَيْرِيَّاتِ، فَعَمَّهُمْ بِالْخِلَعِ وَالصِّلَاتِ.
فَلَمَّا رَأَى صَاحِبُ الزَّنْجِ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَدِّ أَصْحَابِهِ إِلَى السُّمَيْرِيَّاتِ إِلَى نَهْرِ أَبِي الْخَصِيبِ، وَوَكَّلَ بِفُوَّهَةِ النَّهْرِ مَنْ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ، وَأَمَرَ بَهْبُودَ، وَهُوَ مِنْ شَرِّ قُوَّادِهِ، أَنْ يَخْرُجَ فِي الشَّذَوَاتِ، فَخَرَجَ وَبَرَزَ إِلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي شَذَوَاتِهِ، وَقَاتَلَهُ، وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ، فَانْهَزَمَ بَهْبُودُ إِلَى فِنَاءِ قَصْرِ الْخَبِيثِ، وَأَصَابَتْهُ طَعْنَتَانِ، وَجُرِحَ بِالسِّهَامِ، وَأُوهِنَتْ أَعْضَاؤُهُ بِالْحِجَارَةِ، فَأَوْلَجُوهُ نَهْرَ أَبِي الْخَصِيبِ وَقَدْ أَشَفَى عَلَى الْمَوْتِ، فَقُتِلَ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ قَائِدٌ ذُو بَأْسٍ يُقَالُ لَهُ عَمِيرَةُ، وَظَفَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ بِشَذَاةٍ فَقَتَلَ أَهْلَهَا، وَرَجَعَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ سَالِمِينَ، فَاسْتَأْمَنَ إِلَى أَبِي الْعَبَّاسِ أَهْلُ شَذَاةٍ مِنْهُمْ، فَأَمَّنَهُمْ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَخَلَعَ عَلَيْهِمْ.
وَرَجَعَ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى عَسْكَرِهِ بِالنَّهْرِ الْمُبَارَكِ، اسْتَأْمَنَ إِلَيْهِ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَأَمَّنَهُمْ، وَخَلَعَ عَلَيْهِمْ، وَوَصَلَهُمْ، وَأَثْبَتَ أَسْمَاءَهُمْ مَعَ أَبِي الْعَبَّاسِ، وَأَقَامَ عَسْكَرُهُ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ نَقَلَ عَسْكَرَهُ لَسِتٍّ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ إِلَى نَهْرِ جَطَّى فَنَزَلَهُ، وَأَقَامَ بِهِ إِلَى مُنْتَصَفِ شَعْبَانَ لَمْ يُقَاتِلْ.
ثُمَّ رَكِبَ مُنْتَصَفَ شَعْبَانَ فِي الْخَيْلِ وَالرِّجَالِ وَأَعَدَّ الشَّذَا وَالسُّمَيْرِيَّاتِ، وَكَانَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُنْدِ وَالْمُتَطَوِّعَةِ زُهَاءَ خَمْسِينَ أَلْفًا، وَكَانَ مَنْ مَعَ الْخَبِيثِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، كُلُّهُمْ مِمَّنْ يُقَاتِلُ بِسَيْفٍ، أَوْ رُمْحٍ، أَوْ قَوْسٍ، أَوْ مِقْلَاعٍ، أَوْ مَنْجَنِيقٍ، وَأَضْعَفَهُمْ رُمَاةُ الْحِجَارَةِ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَهُمُ النَّظَّارَةُ، وَالنِّسَاءُ تُشْرِكُهُمْ فِي ذَلِكَ، فَأَقَامَ أَبُو أَحْمَدَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَنُودِيَ بِالْأَمَانِ لِلنَّاسِ كَافَّةً إِلَّا الْخَبِيثَ، وَكَتَبَ الْأَمَانَ فِي رِقَاعٍ، وَرَمَاهَا فِي السِّهَامِ، وَوَعَدَ فِيهَا الْإِحْسَانَ، فَمَالَتْ قُلُوبُ أَصْحَابِ الْخَبِيثِ، وَاسْتَأْمَنَ ذَلِكَ الْيَوْمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَخَلَعَ عَلَيْهِمْ وَوَصَلَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَرْبٌ.
ثُمَّ رَحَلَ مِنْ نَهْرِ جَطَّى مِنَ الْغَدِ، فَعَسْكَرَ قُرْبَ مَدِينَةِ الْخَبِيثِ، وَرَتَّبَ قُوَّادَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute