لِلصَّنَمِ. فَقَالَ جِرْجِيسُ: إِنْ كَانَ صَنَمُكَ هُوَ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ، وَعَدَّدَ أَشْيَاءَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ أَصَبْتَ وَنَصَحْتَ، وَإِلَّا فَاخْسَأْ أَيُّهَا الْمَلْعُونُ.
فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ أَمَرَ بِحَبْسِهِ، وَمُشِطَ جَسَدُهُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ حَتَّى تَقَطَّعَ لَحْمُهُ وَعُرُوقُهُ، وَيُنْضَحُ بِالْخَلِّ وَالْخَرْدَلِ، فَلَمْ يَمُتْ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ لَمْ يَقْتُلْهُ أَمَرَ بِسِتَّةِ مَسَامِيرَ مِنْ حَدِيدٍ فَأُحْمِيَتْ حَتَّى صَارَتْ نَارًا ثُمَّ سَمَّرَ بِهَا رَأْسَهُ، فَسَالَ دِمَاغُهُ، فَحَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ لَمْ يَقْتُلْهُ أَمَرَ بِحَوْضٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأَوْقَدَ عَلَيْهِ حَتَّى جَعَلَهُ نَارًا ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِيهِ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ حَتَّى بَرَدَ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ لَمْ يَقْتُلْهُ دَعَاهُ وَقَالَ لَهُ: أَلَمْ تَجِدْ أَلَمَ هَذَا الْعَذَابِ؟ قَالَ: إِنَّ إِلَهِي حَمَلَ عَنِّي عَذَابَكَ وَصَبَّرَنِي لِيَحْتَجَّ عَلَيْكَ.
فَأَيْقَنَ الْمَلِكُ بِالشَّرِّ وَخَافَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمُلْكِهِ فَأَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى أَنْ يُخَلِّدَهُ فِي السِّجْنِ، فَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ: إِنَّكَ إِنْ تَرَكْتَهُ فِي السِّجْنِ طَلِيقًا يُكَلِّمُ النَّاسَ وَيَمِيلُ بِهِمْ عَلَيْكَ، وَلَكِنْ يُعَذَّبُ بِعَذَابٍ يَمْنَعُهُ مِنَ الْكَلَامِ. فَأَمَرَ بِهِ فَبُطِحَ فِي السِّجْنِ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أَوْتَدَ فِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ أَوْتَادًا مِنْ حَدِيدٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِأُسْطُوَانٍ مِنْ رُخَامٍ حَمَلَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَوُضِعَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَظَلَّ يَوْمَهُ ذَلِكَ تَحْتَ الْحَجَرِ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا، وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا أُيِّدَ بِالْمَلَائِكَةِ، فَأَوَّلُ مَا جَاءَهُ الْوَحْيُ قَلَعَ عَنْهُ الْحَجَرَ وَنَزَعَ الْأَوْتَادَ وَأَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ وَبَشَّرَهُ وَعَزَّاهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْرَجَهُ مِنَ السِّجْنِ فَقَالَ لَهُ: الْحَقْ بِعَدُوِّكَ فَجَاهِدْهُ، فَإِنِّي قَدِ ابْتَلَيْتُكَ بِهِ سَبْعَ سِنِينَ يُعَذِّبُكَ وَيَقْتُلُكَ فِيهِنَّ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَرُدُّ إِلَيْكَ رُوحَكَ، فَإِذَا كَانَتِ الْقَتْلَةُ الرَّابِعَةُ تَقَبَّلْتُ رُوحَكَ وَأَوْفَيْتُكَ أَجْرَكَ.
فَلَمْ يَشْعُرِ الْمَلِكُ إِلَّا وَقَدْ وَقَفَ جِرْجِيسُ عَلَى رَأْسِهِ يَدْعُوهُ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: أَجِرْجِيسُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَنْ أَخْرَجَكَ مِنَ السِّجْنِ؟ قَالَ: أَخْرَجَنِي مَنْ سُلْطَانُهُ فَوْقَ سُلْطَانِكَ!
فَمُلِئَ غَيْظًا وَدَعَا بِأَصْنَافِ الْعَذَابِ وَمَدُّوهُ بَيْنَ خَشَبَتَيْنِ وَوَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ سَيْفًا ثُمَّ وَشَرُوهُ حَتَّى سَقَطَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَصَارَ جِزْلَتَيْنِ، ثُمَّ قَطَعُوهُمَا قِطَعًا، وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ أُسْدٍ ضَارِيَةٍ فِي جُبٍّ فَأَلْقَوْا جَسَدَهُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا رَأَتْهُ خَضَعَتْ بِرُءُوسِهَا وَقَامَتْ عَلَى بَرَاثِنِهَا لَا تَأْلُو أَنْ تَقِيَهُ الْأَذَى الَّذِي تَحْتَهَا، فَظَلَّ يَوْمَهُ تَحْتَهَا مَيِّتًا، فَكَانَتْ أَوَّلَ مَيْتَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute